ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] :«أَيْ ضِيَاءً» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ وَعَدَدٍ لِبُلُوغِ أَمْرِهِمَا وَنَهَايَةِ آجَالِهِمَا، وَيَدُورَانِ لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ الَّتِي جُعِلَا لَهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَيَادِيهِ عِنْدَ خَلْقِهِ وَعِظَمَ سُلْطَانِهِ، بِفَلْقِهِ الْإِصْبَاحَ لَهُمْ وَإِخْرَاجَ النَّبَاتِ وَالْغِرَاسِ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ خَلْقَ النُّجُومِ لِهِدَايَتِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَكَانَ وَصْفُهُ إِجْرَاءَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِمَنَافِعِهِمْ أَشْبَهَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ ذِكْرِ إِضَاءَتِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ﴾ [الأنعام: ٩٦]، فَلَا مَعْنَى لِتَكْرِيرِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ لِغَيْرِ مَعْنًى. وَالْحُسْبَانُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: جَمْعُ حِسَابٍ، كَمَا الشُهْبَانُ جَمْعُ شِهَابٍ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْحُسْبَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: حَسَبْتُ الْحِسَابَ أَحْسُبُهُ حِسَابًا وَحُسْبَانًا. وَحُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ: عَلَى اللَّهِ حُسْبَانُ فُلَانٍ وَحِسْبَتُهُ: أَيْ حِسَابُهُ. وَأَحْسَبُ أَنَّ قَتَادَةَ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الضِّيَاءِ، ذَهَبَ إِلَى شَيْءٍ يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [الكهف: ٤٠]، قَالَ: نَارًا، فَوَجَّهَ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] إِلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي شَيْءٍ. -[٤٣١]- وَأَمَّا (الْحِسْبَانُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ الْحِسْبَانَةِ: وَهِيَ الْوِسَادَةُ الصَّغِيرَةُ، وَلَيْسَتْ مِنَ الْأُولَيَيْنِ أَيْضًا فِي شَيْءٍ، يُقَالُ: حَسِبْتُهُ: أَجْلَسْتُهُ عَلَيْهَا، وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَ﴾ [الأنعام: ٩٦]. وَكَانَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَ ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ [الأنعام: ٩٦] أَيْ بِحِسَابٍ، فَحَذَفَ الْبَاءَ كَمَا حَذَفَهَا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١١٧]، أَيْ أَعْلَمُ بِمَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ