وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: " هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، قُلْتُ: عَمَّنْ؟ قَالَ: عَنِ الْعُلَمَاءِ "
وَبِهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، أَمَّا: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] «فَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَدٌ يَوْمَ الْحَصَادِ أَوِ الْجِدَادِ أَطْعَمُوهُ مِنْهُ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِالزَّكَاةِ، وَكَانَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ»
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانُوا يَرْضَخُونَ لِقَرَابَتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] قَالَ: «نَسَخَهُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، كَانُوا يُعْطُونَ إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا -[٦١١]- ذَرَّوْا، فَنَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي طَعَامِهِمْ وَثِمَارِهِمُ الَّتِي تُخْرِجُهَا زُرُوعُهُمْ وَغُرُوسُهُمْ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ صَدَقَةَ الْحَرْثِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الدِّيَاسِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالتَّذْرِيَةِ، وَأَنَّ صَدَقَةَ التَّمْرِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيتَاءِ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَكَانَ يَوْمُ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمَ جَدِّهِ وَقَطْعِهِ، وَالْحَبُّ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي سُنْبُلِهِ، وَالثَّمَرُ وَإِنْ كَانَ ثَمَرَ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ غَيْرُ مُسْتَحْكِمٌ جُفَوفَهُ وَيُبْسَهُ، وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ إِنَّمَا تُؤْخَذُ بَعْدَ دِيَاسِهِ وَتَذْرِيَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ كَيْلًا، وَالتَّمْرُ إِنَّمَا تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ يُبْسِهِ وَجُفُوفِهِ كَيْلًا، عُلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ صَدَقَةً بَعْدَ حِينِ حَصْدِهِ غَيْرُ الَّذِي يَجِبُ إِيتَاؤُهُ الْمَسَاكِينَ يَوْمَ حَصَادِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِيجَابًا مِنَ اللَّهِ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا، -[٦١٢]- فَإِنْ يَكُنْ فَرْضًا وَاجِبًا فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي مَنْ فَرَّطَ فِي أَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا كَانَ بِرَبِّهِ آثِمًا وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفًا، وَفِي قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ لَا فَرْضَ لِلَّهِ فِي الْمَالِ بَعْدَ الزَّكَاةِ يَجِبُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ سِوَى مَا يَجِبُ مِنَ النَّفَقَةِ لِمَنْ يَلْزَمُ الْمَرْءَ نَفَقَتُهُ مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ. أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْلًا، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي إِعْطَاءِ ذَلِكَ إِلَى رَبِّ الْحَرْثِ وَالثَّمَرِ، وَفِي إِيجَابِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذَا خَرَجَتِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا النَّدْبُ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَخْرَجٌ فِي وجُوبِ الْفَرْضِ بِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، عُلِمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ قَوْلَهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: ١٤١]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ مُذْ فَرَضَ فِي أَمْوَالِهِمُ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَقَّتَةَ الْقَدْرُ، أَنَّ الْقَائِمَ بِأَخْذِ ذَلِكَ سَاسَتُهُمْ وَرُعَاتُهُمْ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ نَهْيِ رَبِّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي إِيتَاءِ ذَلِكَ، وَالْآخِذُ مُجْبِرٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْحَقَّ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ فِيهِ؟ فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ الْقَيِّمِ بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنَ الرُّعَاةِ عَنِ التَّعَدِّي فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَالتَّجَاوِزِ إِلَى أَخْذِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنَّ آخِرَ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١]، فَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنِ الْإِسْرَافِ الْقَيِّمُ بِقَبْضِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِإِتْيَانِهِ الْمَنْهِيَّ عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ، وَهُوَ السُّلْطَانُ. -[٦١٣]- وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنْ قَالَهُ قَائِلٌ، كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَمُخَالِفًا الْمَعْهُودَ مِنَ الْخِطَابِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] : وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ كَيْلِهِ، لَا يَوْمَ قَصْلِهِ وَقَطْعِهِ، وَلَا يَوْمَ جِدَادِهِ وَقِطَافِهِ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ؟ وَذَلِكَ مَا