ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١]، قَالَ: قَالَ لِلسُّلْطَانِ: لَا تُسْرِفُوا، لَا تَأْخُذُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ النَّاسِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ [الأنعام: ١٤١] الْآيَةَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] عَنْ جَمِيعِ مَعَانِي الْإِسْرَافِ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا مَعْنًى دُونَ مَعْنًى. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْإِسْرَافُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْإِخْطَاءُ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْعَطِيَّةِ، إِمَّا بِتَجَاوُزِ حَدِّهِ فِي الزِّيَادَةِ وَإِمَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَدِّهِ الْوَاجِبِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمُفَرِّقَ مَالَهُ مُبَارَاةً، وَالْبَاذِلَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى أَجْحَفَتْ بِهِ عَطِيَّتُهُ، مُسْرِفٌ بِتَجَاوُزِهِ حَدَّ اللَّهِ إِلَى مَا كَيْفَتُهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُقَصِّرُ فِي بَذْلِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ بَذْلَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَنْعِهِ مَا أَلْزَمَهُ إِيتَاءَهُ مِنْهُ أَهْلَ سِهْمَانِ الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ، أَوْ مَنْعِهِ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مَا أَلْزَمَهُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ فِي أَخْذِهِ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَخْذِهِ. كُلُّ هَؤُلَاءِ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مُسْرِفُونَ، دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَتَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْإِسْرَافِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ [الأنعام: ١٤١] فِي عَطِيَّتِكُمْ