حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦]، قَالَ: «مُسْلِمَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَيِّكُمْ»
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني اللَّيْثُ، قَالَ: ثني عَقِيلٌ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ١٠٨]، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي أَهُمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ هُمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ وَأَرَأَيْتَ الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا، أَتَرَاهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَرْءِ الْمُوصِي، أَمْ هُمَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَمْ نَسْمَعْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَئِمَّةِ الْعَامَّةِ سُنَّةً أَذْكُرُهَا، وَقَدْ كُنَّا نَتَذَاكَرُهَا أُنَاسًا مِنْ عُلَمَائِنَا أَحْيَانًا، فَلَا يَذْكُرُونَ فِيهَا سُنَّةً مَعْلُومَةً وَلَا قَضَاءً مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ، وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهَا رَأْيُهُمْ وَكَانَ أَعْجَبُهُمْ فِيهَا رَأَيًا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: هِيَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَشْهَدُ بَعْضُهُمُ الْمَيِّتَ الَّذِي يَرِثُونَهُ وَيَغِيبُ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، وَيَشْهَدُ مَنْ شَهِدَهُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى، فَيُخْبِرُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِمَا حَضَرُوا مِنْ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ سَلَّمُوا جَازَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنِ ارْتَابُوا أَنْ يَكُونُوا بَدَّلُوا قَوْلَ الْمَيِّتِ وَآثَرُوا بِالْوَصِيَّةِ مَنْ أَرَادُوا مِمَّنْ لَمْ يُوصِ لَهُمُ الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ حَلَفَ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُسْلِمِينَ، ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ: إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذًا لِمَنَ الْآثِمِينَ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَإِذَا أَقْسَمَا عَلَى ذَلِكَ -[٧٠]- جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَيْمَانُهُمَا مَا لَمْ يُعْثَرْ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ عُثِرَ قَامَ آخَرَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ مِنَ الْخَصِمِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ الْمُسْتَحْلَفَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ: لَشَهَادَتُنَا عَلَى تَكْذِيبِكُمَا أَوْ إِبْطَالِ مَا شَهَدْتُمَا بِهِ، وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمُ، الْآيَةَ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ عَبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ شَهَادَةَ اثْنَيْنِ مِنْ عُدُولِ الْمُؤْمِنِينَ أَوِ اثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ فِي الْكَلَامِ صِفَةُ شَهَادَةِ مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: صِفَةُ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِذْ كَانَ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ صَرْفُ مُغْلَقِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ -[٧١]- غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنَّمَا هُوَ: أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاءٌ كَانَ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِنَا يَهُودِيَّيْنِ كَانَا أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ عَابِدَيْ وَثَنٍ، أَوْ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخَصِّصْ آخَرَيْنِ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ مِلَّةٍ بَعْدَ أَلَّا يَكُونَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ


الصفحة التالية
Icon