ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] قَالَ: " هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ يُوصِي وَيُشْهِدُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَالِهِ وَعَلَيْهِ، قَالَ: هَذَا فِي الْحَضَرِ: ﴿أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] : فِي السَّفَرِ، ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ﴾ [المائدة: ١٠٦] : هَذَا الرَّجُلُ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ فِي سَفَرِهِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، فَيُوصِي إِلَيْهِمَا وَيَدْفَعُ إِلَيْهِمَا مِيرَاثَهُ، فَيُقْبِلَانِ بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْمَيِّتِ الْوَصِيَّةَ وَعَرَفُوا مَالَ صَاحِبِهِمْ تَرَكُوا الرَّجُلَيْنِ، وَإِنِ ارْتَابُوا رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْعِلْجَيْنِ حِينَ انْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي دَارِهِ، فَفَتَحَ الصَّحِيفَةَ فَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَخَوَّنُوهُمَا، فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَلَكِنِ اسْتَحْلِفْهُمَا بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، فَيُوقَفُ الرَّجُلَانِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا، وَيَحْلِفَانِ بِاللَّهِ لَا نَشْتَرِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ، إِنَّا إِذَنْ لَمِنَ الْآثِمِينَ، إِنَّ صَاحِبَهُمْ لِبِهَذَا أَوْصَى، وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَتُهُ. فَيَقُولُ لَهُمَا الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا: إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمِكُمَا، وَلَمْ تُجَزْ لَكُمَا شَهَادَةٌ وَعَاقَبْتُكُمَا، فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ، فَإِنْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا " -[٧٩]- وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَّفَ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهَا، وَلَا تُدْخِلُهُمَا الْعَرَبُ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ، إِمَّا فِي جِنْسٍ، أَوْ فِي وَاحِدٍ مَعْهُودٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْمُتَخَاطِبِينَ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهَا جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ، لَمْ يُجَزْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا صَلَاةُ الْمُسْتَحْلَفِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّ لَهُمْ صَلَوَاتٌ لَيْسَتْ وَاحِدَةً، فَيَكُونُ مَعْلُومًا أَنَّهَا الْمَعْنِيَّةُ بِذَلِكَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، صَحَّ أَنَّهَا صَلَاةٌ بِعَيْنِهَا مِنْ صَلَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُ أَنَّهُ إِذْ لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ١٠٦] هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَيَّرُهَا لِاسْتِحْلَافِ مَنْ أَرَادَ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ عَلَيْهِ. هَذَا مَعَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ [المائدة: ١٠٦]


الصفحة التالية