أَيْمَانِهِمَا، ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى كَذِبِهِمَا فِيهَا، إِنَّ الْقَوْمَ ادَّعَوْا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوَى مِنِ انْتِقَالِ مِلْكٍ عَنْهُ إِلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُولُ بِهِ الْأَمْلَاكُ، مِمَّا يَكُونُ الْيَمِينُ فِيهَا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ دُونَ الْمُدَّعَى، وَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي، وَفَسَادُ مَا خَالَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ. وَفِيهَا أَيْضًا الْبَيَانُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِنَّمَا هِيَ الْيَمِينُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [النور: ٦]، فَالشَّهَادَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنَاهَا الْقَسَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنَّمَا هُوَ قَسَمُ بَيْنِكُمْ، ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ [المائدة: ١٠٦] أَنْ يُقْسِمَ ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ١٠٦] إِنْ كَانَا ائْتُمِنَا عَلَى مَا قَالَ، فَارْتِيبَ بِهِمَا، أَوِ ائْتُمِنَ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَاتَهُمَا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ نَقْلَ الْيَمِينِ مِنَ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا إِلَى الْآخَرَيْنِ قَالَ: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ الْمُدَّعِينَ قِبَلَ اللَّذَيْنِ ظُهَرَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا فِي الْحُكْمِ حَقَّ مُدَّعَى عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ قَضَى فِيهِ لِأَحَدٍ بِدَعْوَاهُ، وَيَمِينُهُ عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُرْهَانٍ.


الصفحة التالية
Icon