حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكُرَيْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، " أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) وَأَمَّا أَوْلَى الْقِرَاءَاتِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] عِنْدِي، فَقِرَاءَةُ مَنْ -[٩٨]- قَرَأَ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] بِصِحَّةِ مَعْنَاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ فِيهِمُ الْإِثْمُ، ثُمَّ حُذِفَ (الْإِثْمُ) وَأُقِيمَ مَقَامَهُ (الْأَوْلَيَانِ)، لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَةِ اللَّذَيْنِ اسْتَحَقَّا الْإِثْمَ وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ ائْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّتُ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْلِ الْعَرَبِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حَذْفِهِمُ الْفِعْلَ اجْتِزَاءً بِالِاسْمِ، وَحَذْفِهِمُ الِاسْمَ اجْتِزَاءً بِالْفِعْلِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ، وَكَمَا قَالَ: ﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَقَالَ: ﴿بِهِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اسْمِ (اللَّهِ)، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاللَّهِ، فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ بِالذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: لَا نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاللَّهِ اسْتِغْنَاءً بِفَهْمِ السَّامِعِ بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ الْقَسَمِ. وَكَذَلِكَ اجُتْزِئَ بِذِكْرِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ ذِكْرِ الْإِثْمِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهَا، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِعَ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ: (الْأَوَّلَيْنِ)، فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَةِ بِهِ عَنِ (الَّذِينَ)، فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَمْعِ، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) جَمْعًا وَخَفْضًا، إِذْ كَانَ (الَّذِينَ) -[٩٩]- مَخْفُوضًا. وَذَلِكَ وَجْهٌ مِنَ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ لِلشَّيْءِ أَوَّلٌ، إِذَا كَانَ لَهُ آخِرُ هُوَ لَهُ أَوَّلٌ، وَلَيْسَ لِلَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ آخِرُهُمْ لَهُ أَوَّلٌ، بَلْ كَانَتْ أَيْمَانُ الَّذِينَ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْلَ إِيمَانِهِمْ، فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانُهُمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آخَرِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلِينَ وَأَيْمَانُهُمْ آخِرَةٌ لِأُولَى قَبْلَهَا. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَنِ الْحَسَنِ، فَقِرَاءَةٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ شَاذَّةٌ، وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتِهِمْ دَلِيلًا عَلَى بُعْدِهَا مِنَ الصَّوَابِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الرَّافِعِ لِقَوْلِهِ: ﴿الْأَوْلَيَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧] إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يَزْعُمُ أَنَّهُ رَفَعَ ذَلِكَ بَدَلًا مِنْ (آخَرَانِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا﴾ [المائدة: ١٠٧]، وَقَالَ: إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَلَ الْأَوْلَيَانِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ مِنْ آخَرَانِ وَهُوَ نَكِرَةٌ، لِأَنَّهُ حِينَ قَالَ: ﴿يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ١٠٧] كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى، فَقَالَ: (الْأَوْلَيَانِ)، فَأَجْرَى الْمَعْرِفَةَ عَلَيْهِمَا بَدَلًا. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِيرٌ وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الْأُمُورَا | صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا |
-[١٠٠]- قَالَ: فَجَعَلَهُ (عَلَيَّ وَاجِبٌ)، لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (الْأَوْلَيَانِ) بَدَلًا مِنْ (آخَرَانِ) مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ (فَيُقْسِمَانِ) عَلَى (يَقُومَانِ) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَآخَرَانِ يَقُومَانِ﴾ [المائدة: ١٠٧]، فَلَمْ يَتِمَّ الْخَبَرُ عِنْدَ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ قَبْلَ إِتْمَامِ الْخَبَرِ، كَمَا قَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ (مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ)، وَزَيْدٌ بَدَلٌ مِنْ رَجُلٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: (الْأَوْلَيَانِ) مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ)، وَإِنَّهُمَا مَوْضِعُ الْخَبَرِ عَنْهُمَا، فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ بِالْخِيَانَةِ، فَوَضَعَ (الْأَوْلَيَانِ) مَوْضِعَ (الْإِثْمِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ١٩]، وَمَعْنَاهُ: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَكَمَا قَالَ: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ [البقرة: ٩٣]، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْهُذَلِيِّينَ:
[البحر الوافر]
يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ | مِنَ الْخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ |
[البحر الوافر]
مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا | عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ |