ونحو هذا ما قال الإمام العز بن عبد السلام كما نقل عنه الزركشي في البرهان: قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله " المناسبة علم حسن ولكن يشترط فى حسن ارتباط الكلام أن يقع فى أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر قال ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا برباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل فى نيف وعشرين سنة فى أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض إذ لا يحسن أن يرتبط تصرف الإله فى خلقه وأحكامه بعضها ببعض مع اختلاف العلل والأسباب كتصرف الملوك والحكام والمفتين وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة ومتضادة وليس لأحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض مع اختلافها فى نفسها واختلاف أوقاتها انتهى ". (١)
إلا أن العز رحمه الله لا ينكر وجود المناسبة على الإطلاق ولكنه يستحسنها إذا وقعت بين كلام متحد مرتبط أوله بأخرى.
وأقول لقد نزل القرآن الكريم مفرقا حسب الحوادث والنوازل ومراعاة للتدرج في التشريع ولكنه جمع في الصدور والسطور وفقا لما هو عليه في اللوح المحفوظ حيث كان جبريل عليه السلام يعلم رسول الله ﷺ بموضع كل آية في سورتها، إضافة إلى ترتيب السور كما سيأتي بيانه، فإذا كان في نزوله منجما حكم وفوائد لا تخفى فإن في جمعه على هذا الترتيب التوقيفي حكم وفوائد، وإذا كان في نزوله منجما سمة من سماته التي تفرد بها عن الكتب السابقة فإن هذا الترتيب سمة من سماته، وهل يعقل أن يكون ترتيبه في المصحف على غير ترتيب نزوله ثم لا يكون لذلك حكمة؟ ولماذا نجتهد في التماس حكم ومقاصد التشريعات الإلهية ثم نطالب بتجاهل الحكم من الترتيب الإلهي للمصحف الشريف!