وأما جهة الكمال النفسيّ فاعلم!
ان الانسان مع صغر جرمه وضعفه وعجزه وكونه حيواناً من الحيوانات ينطوي على روح غال ويحتوي على استعداد كامل، ويتبطن ميولا لاحصر لها ويشتمل على آمال لا نهاية لها، ويحوز افكاراً غير محصورة ويتضمن قوى غير محدودة مع ان فطرته عجيبة كأنه فهرستة للأنواع والعوالم. فالعبادة هي السبب لانبساط روحه وجلاء قيمته.. وأيضاً هي العلة لانكشاف استعداده ونموّه ليناسب السعادة الأبدية.. وكذا هي الذريعة لتهذيب ميوله ونزاهتها.. وهي الوسيلة لتحقيق آماله وجعلها مثمرة ريانة.. وكذلك هي الواسطة لتنظيم أفكاره وربطها.. وأيضاً هي السبب لتحديد قواه وإلجامها.. وأيضا هي الصَيْقل لرَيْن الطبيعة على أعضائه المادية والمعنوية التي كل منها كأنه منفذ الى عالم مخصوص ونوع اذا شف.. وأيضا هي الموصل للبشر الى شرفه اللائق وكماله المقدر، اذا كانت بالوجدان والعقل والقلب والقالب.. وكذلك هي النسبة اللطيفة العالية، والمناسبة الشريفة الغالية بين العبد والمعبود. وتلك النسبة هي نهاية مراتب كمال البشر.
ثم ان الاخلاص في العبادة هو: ان تفعل لأنه أُمر بها، وان اشتمل كل أمر على حِكَم، كل منها يكون علة للامتثال، الا ان الاخلاص يقتضي ان تكون العلةُ هي الأمر، فان كانت الحكمةُ علةً فالعبادة باطلة، وان بقيت مرجِّحة فجائزة.
***
ثم ان المخاطبين لما سمعوا (يا ايها الناس اعبدوا) استفسروا بلسان الحال: ما الحكمة؟ ولِمَ؟ وما المجبورية؟ ولأيّ شئ؟
أما الحكمة فقد سمعت في المقدمة. وأما العلة فأجاب القرآن الكريم باثبات الصانع وتوحيده بقوله: (ربكم الذي خلقكم).. الخ. واثبات النبوّة بقوله: (وان كنتم في ريب مما نزلنا).. الخ.