قيل لك: ان الطبيعة مِسْطر ١ لامصدر.. ومطبعة لا طابع.. وقوانين لاقوة. بل انما هي شريعة فطرية إلهية أوقعت نظاما بين أفعال أعضاء جسد عالم الشهادة. كما ان الشريعة محصَّلُ وخلاصةُ قواعد الأفعال الاختيارية، ونظام الدولة مجموع الدساتير السياسية. فكما ان الشريعة والنظام أمران معقولان اعتباريان؛ كذلك الطبيعة أمر اعتباريّ ملخَّصُ عادة الله الجارية في الخلقة. وأما توهم وجودها الخارجيّ فكتوهم الوحشي الذي يرى فرقة العسكر يتحركون بانتظام، وجودَ أمر خارجيّ ربط بينهم. فمن كان وجدانه وحشيا يتخيل الطبيعة بسبب الاستمرار موجوداً خارجياً مؤثراً.
الحاصل: ان الطبيعة صنعة الله تعالى وشريعته الفطرية. واما نواميسها فمسائلها. وأما قواها فأحكام تلك المسائل.
أما دليل التوحيد الذي أشار اليه (اعبدوا) على تفسير ابن عباس أي وحّدوا، فاعلم! ان القرآن المعجز البيان ما ترك من دلائل التوحيد شيئاً. وما تضمنته آية (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) ٢ من برهان التمانع دليل كاف ومنار نيِّر على ان الاستقلال خاصة ذاتية ولازم ضروري للالوهية، ثم في هذه الآية رمز الى دليل لطيف على التوحيد وهو: ان تعاونَ الأرض والسماء ومناسبتهما في توليد الثمرات - لتُعَيِّش نوع البشر وجنس الحيوان - ومشابهةَ آثار العالم وتعانقَ أطرافه وأخذ بعضٍ يد بعضٍ بتكميل بعض انتظام بعض، وتجاوبَ الجوانب وتلبيةَ بعضٍ لسؤال حاجة بعض، ونظرَ الكل الى نقطة واحدة، وحركةَ الكل بالانتظام على محور نظام واحد؛ تلوِّح بل تصرِّح بان صانع هذه الماكينة الواحدة واحد وتتلو على كلٍ:
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى اَنَّهُ وَاحِدٌ ٣
ثم اعلم! ان الصانع كما انه واجب الوجود وواحد؛ كذلك انه متصف بجميع الأوصاف الكمالية؛ لأن ما في المصنوع من فيض الكمال انما هو مقتبس من ظل تجلي كمال صانعه. فبالضرورة يوجد في الصانع جل جلاله من الجمال والكمال والحسن ما هو أعلى بدرجات غير متناهية من عموم ما في عموم الكائنات من الحسن والكمال
٢ سورة الانبياء: ٢٢.
٣ لابى العتاهية في ديوانه وينسب الى الامام علي كرم الله وجهه. ونسبه إبن كثير في مقدمة تفسيره الى إبن المعتز.