الرابعة: هي انه لو ناظر اميّ علماء فن - ولو فن الصرف - ثم بيّن رأيه في مسائله مصدِّقاً في مظان الاتفاق، ومصحِّحاً في مطارح الاختلاف؛ افلا يدلك ذلك على تفوقه، وأن علمه وهبي؟.
اذا عرفت هذه النكت: فاعلم! ان محمّداً العربيّ عليه السلام مع اميّته قصّ علينا بلسان القرآن الكريم قصَصَ الاولين والانبياء قصةَ مَنْ حضر وشاهد، وبيّن أحوالهم وشرح أسرارهم على رؤوس العالم في دعوى عظيمة تجلب اليها دقة الأذكياء. وقد قص بلا مبالاة، وأخذ العقد الحياتية فيها واساساتها مقَدَّمة لمدّعاه، مصدِّقاً فيما اتفقت عليه الكتب السالفة، ومصحِّحا فيما اختلفت فيه. كأنه بالروح الجوّال المعكس للوحي الالهي طيّ الزمانَ والمكانَ، فتداخل في اعماق الماضي فبيّن كأنه مشاهد. فثبت ان حاله هذه دليل نبّوته وإحدى معجزاته. فمجموع دلائل نبوّة الأنبياء في حكم دليل معنوي له، وجميع معجزات الانبياء في حكم معجزة معنوية له.
المسألة الخامسة:
في بيان صحيفة عصر السعادة لا سيما مسألة جزيرة العرب. فها هنا أيضاً أربع نكت:
احداها: انك اذا تأملت في العالم ترى انه قد يتعسر ويستشكل رفع عادة ولو حقيرة في قوم ولو قليلين. أو خصلة ولو ضعيفة.. في طائفة ولو ذليلين.. على ملِك ولو عظيما.. بهمّة ولو شديدة. في زمان مديد بزحمة كثيرة ١. فكيف انت بمن لم يكن حاكما، تشبث في زمان قليل بهمة جزئية - بالنسبة الى المفعول - وَقَلَعَ عاداتٍ وَرَفَعَ أخلاقاً قد استقرت بتمام الرسوخ واستؤنس بها نهاية استيناس واستمرت غاية استمرار، فغرس فجأة بدلها عادات وأخلاقاً تكملت دفعة عن قلوب قوم في غاية الكثرة ولمألوفاتهم في نهاية التعصب. أفلا تراه خارقاً للعادات؟..
النكتة الثانية: هي ان الدولة شخص معنويّ. تشكُّلُها تدريجيّ كنمو الطفل، وغلَبتُها للدولة العتيقة - التي صارت أحكامُها كالطبيعة الثابتة لملتها - متمهلة. أفلا