أحدها: انهم يقولون عجزنا لا يدل على عجز البشر.. فافحمهم بقوله: (وادعوا شهداءكم) أي كبراءكم ورؤساءكم.
والثاني: انهم يزعمون: انّا لو عارضنا فمن يلتزمنا ويدافع عنا؟ فألقمهم الحجر بانه ما من مسلك الاّ وله متعصبون ولو عارضتم لظهر لكم شهداء يذبّون عنكم.
والثالث: ان القرآن كأنه يقول: لما استشهد النبيُّ عليه السلام الله تعالى صدّقه الله وشَهِد له بوضع سكة الاعجاز على دعواه. فان كان في آلهتكم وشهدائكم فائدة لكم فادعوهم. وما هذا الا نهاية التهكم بهم.
وأما نظم (فان لم تفعلوا) فظاهر، اذ التقدير "فان جربتم فانظروا فان لم تقدروا ظهر عجزكم ولم تفعلوا".
وأما نظم (ولن تفعلوا) فكأنه لما قال لم تفعلوا.. قيل من جانبهم: عدم فعلنا فيما مضى لايدل على عجز البشر فيما سيأتي. فقال: ولن تفعلوا، فرمز الى الاعجاز بثلاثة اوجه.
احدها: الاخبار بالغيب وكان كما اخبر. ألا ترى ان الملايين من الكتب العربية مع التمايل الى تقليد اسلوب التنزيل وكثرة المعاندين لو فتشتها؛ لم يوافقه شئ منها. كأن نوعه منحصر في شخصه. فأما هو تحت الكل وهو باطل بالاتفاق. فما هو الا فوق الكل.
والوجه الثاني: ان القطع والجزم بعدم فعلهم مع التقريع عليهم وتحريك أعصابهم في هذا المقام المشكل وفي هذه الدعوى العظيمة علامة صادقة على انه واثق امين مطمئن بماله ومقاله.
والوجه الثالث: ان القرآن كأنه يقول: اذا كنتم امراء الفصاحة وأشد الناس احتياجاً اليها ولم تقتدروا لم يقتدر عليه البشر. وكذا فيه اشارة الى ان نتيجة القرآن التي هي الاسلامية كما لم يقتدر على نظيرها الزمان الماضي؛ كذا يعجز عن مثلها الزمان المستقبل.