وأما نظم (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة) فاعلم! ان تعقيب "ان لم تفعلوا" بـ"فاتقوا" يقتضي في ذوق البلاغة تقديراً هكذا:

ان لم تفعلوا ولن.. ظهر انه معجز، فهو كلام الله، فوجب عليكم الايمان به وامتثال أوامره ومن الأوامر يا ايها الناس اعبدوا لتتقوا النار فاتقوا النار. فاوجز فاعجز.
وأما نظم (التي وقودها الناس والحجارة) فاعلم! ان المقصد من (فاتقوا) هو الترهيب، ومعنى الترهيب انما يؤكد بالتهويل والتشديد فهوّله بـ (وقودها الناس) اذ النار التي حطبها كان انسانا أخوف وأدهش.. ثم شدده بعطف الحجارة؛ اذ ما تحرق الحجرَ أشد تأثيراً.. ثم أشار الى الزجر عن عبادة الأصنام: أي لو لم تتمثلوا أمر الله، وعبدتم أحجاراً لدخلتم ناراً تأكل العُبّاد ومعبوداتهم.
وأما نظم (اعدت للكافرين) فهو انها توضيح وتقرير لزوم جزاء الشرط لفعله: أي هذه المصيبة ليست كالطوفان وسائر المصائب التي لاتصيب الظالمين خاصة بل تعم الأبرار والأخيار؛ فانما هذه تختص بالجانين يجرّها الكفرُ لاسبيل للنجاة الا امتثال القرآن.
ثم اعلم! ان (اُعدّت) اشارة الى ان جهنم مخلوقة موجودة الآن لا كما زعمت المعتزلة.. ثم ان مما يدلك ويفيد حدسا لك على أبدية جهنم انك اذا تفكرت في العالم بنظر الحكمة ترى النار مخلوقة عظيمة مستولية غالبة، كأنها عنصر أساس في العلويات والسفليات. وتفهمت وجود رأس عظيم وثمرة عجيبة تدلت الى الأبد. ألا ترى ان من رأى عرقا ممتداً تفطن لوجود بطيخ مثلا في رأسه؛ وكذلك من رأى الخلقة النارية تفطن لإِنتهائها الى حنظلة جهنم. وكذا من رأى النعم والمحاسن واللذائذ يحدس بأن مصبها ومخلصها وروضها الجنة.
فان قلت: اذا كانت جهنم موجودة الآن فاين موضعها؟
قيل لك: نحن معاشر أهل السنة والجماعة نعتقد وجودها الآن لكن لا نعيّن موضعها.
فان قلت: ان ظواهر الأحاديث تدل على انها تحت الأرض. وفي حديث: ان نارها أشد وأحرّ من نار الدنيا بمائتي دفعة. وان الشمس أيضا تدخل في جهنم؟


الصفحة التالية
Icon