مفرداً لعدم الواسطة في إلهام المعنى. وان ايثار (جاعل) على "خالق" اشارة الى ان مدار الشبهة والاستفسار الجعل (١). والتخصيص لعمارة الأرض لا الخلق والايجاد، لأن الوجود خير محض والخلق فعله الذاتيّ لا يُسأل عنه. وان ايثار "في" في (في الأرض) على "على" مع ان البشر على الأرض لايخلو من الايماء الى ان البشر كالروح المنفوخ في جسد الأرض، فمتى خرج البشر خربت الأرضُ وماتت. وان (خليفة) اشارة الى انه قد وجد قبل تَهئ الأرض لشرائط حياة الإنسان مخلوقٌ مُدْرِك ساعدت شرائطَ حياته الادوارُ الأوّليةُ للأرض وهذا هو الأوفق لقضية الحكمة. والمشهور ان ذلك المخلوق المُدْرِك كان نوعا من الجن فأفسدوا فاستُخلفوا بالإِنسان.
اما هيئات جملة (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فاعلم! ان استيناف (قالوا) اشارة الى ان توجيه خطابه تعالى الى الملائكة يلجئ السامع الى السؤال بـ "كيف يتلقّون جيرانهم بيتَ بيتَ وأيرضون بهم قرناء وما رأيهم فيهم؟ " فقال: "قالوا". وان وجه كونه جزاء لـ "اذ" هو: ان حكم الله تعالى بجعل البشر خليفة في الأرض - التي وكّل عليها الملائكة - مع انه لا مشير له تعالى ولا وزير يستلزم اظهار كيفية تلقيهم لهم. وان صورة القول اشارة الى اسلوب المقاولة على صورة المشاورة لتعليم الناس مع تنزهه تعالى عنها. وان استفهام (أتجعل) فلتحقق الجعل باخباره تعالى تمتنع حقيقتُه فيتولد منه التعجب الناشئ عن خفاء السبب فيتولد منه الاستفسار - أي ما حكمة الجعل؟ فاستفهم عن المسبب بدلا عن السبب وليس للإِنكار لعصمتهم ٢. وان الجعل رمز الى ان شؤون البشر ونسبه الاعتبارية ووضعياته ليست من لوازم الطبيعة ولا من ضروريات الفطرة بل كل منها بجعل الجاعل. وان (فيها) مع "فيها" مع قصر المسافة فللتنصيص والايماء الى معنى: ما حكمة جعل البشر روحا منفوخا في جسد الأرض لحياتها مع وجود الفساد والاماتة من حيث الأحياء؟. وان التعبير بـ (مَنْ) اشارة الى انه لا يعنيهم شخصية البشر وانما يثقل عليهم عصيان مخلوق لله تعالى. وان ايراد (يفسد) بدل "يعصي" اشارة الى ان العصيان ينجر الى فساد نظام العالم. وان صورة المضارع اشارة الى ان
(٢) ان القصد من استفهام الملائكة ليس اعتراضاً على الجعل، اذ تحقق باخباره تعالى، ولانهم لا يعصون الله ما امرهم، وانما هو استفسار عن حكمة الجعل، وذلك لخفاء السبب عنهم (ت: ٢٣٢).