اذ اللام لعاقبة العمل وفائدته. فكأنه يتلو عليهم"خذوا اجرة عملكم".
وفي لفظ "العذاب" رمز خفي الى ان يذكرهم استعذابهم واستلذاذهم بالمعاصي في الدنيا فكأنه يقرأ عليهم "ذوقوا مرارة حلاوتكم".
وفي لفظ الـ "عظيم" اشارة خفية الى تذكيرهم حال صاحب النعمة العظيمة في الجنة فكأنه يلقنهم: انظروا الى ماضيعتم على انفسكم من النعمة العظيمة، وكيف وقعتم في الالم الاليم. ثم ان "عظيم" تأكيد لتنوين "عذاب".
ان قلت: ان معصية الكفر كانت في زمان قليل والجزاء أبديّ غير متناه فكيف ينطبق هذا الجزاء على العدالة الالهية؟ وإنْ سُلِّم، فكيف يوافق الحكمة الأزلية؟ وان سُلِّم، فكيف تساعده المرحمة الربانية؟
قيل لك: مع تسليم عدم تناهي الجزاء، ان الكفر في زمان متناهٍ جناية غير متناهية بست جهات:
منها: ان من مات على الكفر لو بقي أبدا لكان كافراً أبداً لفساد جوهر روحه، فهذا القلب الفاسد استعد لجناية غير متناهية.
ومنها: ان الكفر وان كان في زمان متناه لكنه جناية على غير المتناهي، وتكذيب لغير المتناهي أعني عموم الكائنات التي تشهد على الوحدانية.
ومنها: ان الكفر كفرانٌ لنعمٍ غير متناهية.
ومنها: ان الكفر جناية في مقابلة الغير المتناهي وهو الذات والصفات الالهية.
ومنها: ان وجدان البشر - بسر حديث (لاَ يَسَعُني اَرْضِي وَلا سَمائي) ١ - وان كان في الظاهر والملك محصوراً ومتناهياً لكن ملكوتيته بالحقيقة نشرت ومدت عروقها الى الأبد. فهو من هذه الجهة كغير المتناهي وبالكفر تلوث واضمحل.

١ الحديث (ما وسعني سمائي ولا ارضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن). ذكره في الاحياء بلفظ مقارب. قال العراقي في تخريجه: لم ار له أصلاً (كشف الخفاء للعجلوني ٢/١٩٥ باختصار). وقال السيوطي في الدرر المنتثرة: قلت اخرج الامام احمد في الزهد عن وهب بن منبه: ان الله فتح السموات لحزقيل حتى نظر الى العرش فقال حزقيل: سبحانك ما اعظمك يارب! فقال الله: ان السموات والارض ضعفن ان يسعنني ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين» اهـ. قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية: وذكرُ جماعةٍ له من الصوفية لا يريدون حقيقة ظاهره من الاتحاد والحلول لأن كلاً منهما كفر، وصالحو الصوفية اعرف الناس بالله وما يجب له وما يستحيل عليه، وانما يريدون بذلك ان قلب المؤمن يسع الايمان بالله ومحبته ومعرفته. اهـ.


الصفحة التالية
Icon