وحمزة (دُرِّيٌ) بضم الدال ممدودة مهموزة، (تُوقَدُ) بضم التاء وتسكين الواو وضم الدال.
وقرأ الكسائي (دِرِّيءٌ) مثل أبي عمرو (تُوْقَدُ) مثل حمزة.
وروى هارون عن أبي عمرو (تَوَقَّدُ) رفعٌ مثقل.
قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دُرِّيٌّ) بلا همز، (تَوَقَّد) فهو منسوب إلى الدُّرِّ
لصفائه، ونصب (تَوَقَّدَ) لأنه فعل ماض. على (تَفَعَّلَ).
وَمَنْ قَرَأَ (دِرِّيءٌ) بكسر الدال والراء والهمز فإن الدِّرِّيء في كلام العرب كل كوكب براق يدرأُ عليك إذا طلع من الأفق بزُهْرَتِهِ، وهى (فِعِّيل) من درأ يدرأُ، وقال الفراء: سمي دُرِّيئًا كأنه رُجم به الشيطان فدفعه.
وقال غيره: إنما سمي دِرِّيئًا لأنه يطلع عليك من مطلعه فُجَاءة، وهو من قولك: درأ علينا فلان وَطَرأ، إذا طلع فجأة، وهو من الدَّراري.
أخبرني المنذري عن أبي الهيثم بذلك قال: وقال نصير: دُروءهُ:
طلوعه، تقول: دَرَأ علينا.
قال أبو منصور: وهذا القول أحسن من قول الفراء.
وأما قراءة مَنْ قَرَأَ (دُرِّيءٌ) بضم الدال مع الهمز فإن أهل اللغة لا يعرفونه، وأنكروا القراءة به، وقالوا: ليس في كلام العرب اسم على (فُعِّيل). واختلف عن عاصم فيه،
وروى عن الكسائي عن المفضل الضبىّ عن عاصم أنه قرأ (دِرِّيء) بكسر الدال

(١) قال السمين الحلبي:
قوله: ﴿دُرِّيٌّ﴾، قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وياءٍ بعدها همزةٌ. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياءٍ بعدها همزةٌ. والباقون بضمِّ الدال وتشديد الياءِ من غيرِ همزةٍ، وهذه الثلاثةُ في السبع، وقرأ زيد بن علي والضحاكُ وقتادةُ بفتح الدال وتشديد الياء. وقرأ الزهريُّ بكسرِها وتشديد الياء. وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيَّب وأبو رجاء وقتادة أيضًاً «دَرِّيْء» بفتح الدال وتشديدِ الراء وياءٍ بعدها همزةٌ.
فأما الأولى فقراءةٌ واضحةٌ لأنه بناءٌ كثيرٌ يوجد في الأسماء نحو «سِكِّين» وفي الصفاتِ نحوِ «سِكِّير».
وأمَّا القراءةُ الثانية فهي مِنْ الدِّرْءِ بمعنى الدَّفْع أي: يدفع بعضُها بعضاً أو يَدْفعُ ضوءُها خَفاءَها، قيل: ولم يوجد شيءٌ وزنُه فُعِّيل إلاَّ مُرِّيْقاً للعُصْفُر وسُرِّيَّة على قولنا: إنها من السرور، وإنه أُبْدل مِن إحدى المضعَّفاتِ ياءٌ، وأُدْغِمَتْ فيها ياءُ فُعِّيل، ومُرِّيخاً للذي في داخلِ القَرْنِ اليابس، ويقال بكسرِ الميمِ أيضًاً، وعُلِّيَّة ودُرِّيْء في هذه القراءة، وذُرِّيَّة أيضًاً في قولٍ. وقال بعضهم: «وزن دُرِّيْء في هذه القراءةِ فُعُّول كسُبُّوح قُدُّوْس، فاستُثْقِل توالي الضمِّ فنُقِل إلى الكسرِ، وهذا منقولٌ أيضًاً في سُرِّية وذُرِّيَّة.
وأمَّا القراءة الثالثة فتحتمل وجهين، أحدُهما: أَنْ يكونَ أصلُها الهمزَ كقراءةِ حمزةَ، إلاَّ أنه أَبْدَلَ مِنَ الهمزةِ ياءً، وأَدْغم، فَيَتَّحدُ معنى القراءتين، ويُحتمل أَنْ يكونَ نسبةً إلى الدُّر لصفائها وظهورِ إشراقِها.
وأمَّا قراءةُ تشديدِ الياءِ مع فتحِ الدالِ وكسرِها، فالذي يظهرُ أنه منسوبٌ إلى الدُّر. والفتحُ والكسرُ في الدالِ من بابِ تغييراتِ النَّسَبِ.
وأمَّا فتحُ الدالِ مع المدِّ والهمز ففيها إشكالٌ. قال أبو الفتح:»
وهو بناءٌ عزيزٌ لم يُحْفَظْ منه إلاَّ السَّكِّينة بفتح الفاء وتشديد العين «. قلت: وقد حكى الأخفشُ:» فَعَلَيْه السَّكِّينة والوَقار «و» كوكَبٌ دَرِّيْءٌ «مِنْ» دَرَاْتُه «.
قولِه: ﴿يُوقَدُ﴾ قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو»
تَوَقَّدَ «بزنة تَفَعَّلَ فعلاً ماضياً فيه ضميرُ فاعِله يعودُ على المصباح، ولا يعودُ على» كوكب «لفسادِ المعنى. والأخوان وأبو بكر» تُوْقَدُ «بضم التاءِ مِنْ فوقُ وفتح القافِ، مضارعَ أَوْقَدَ. وهو مبنيٌّ للمفعولِ. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرٌ يعودُ على» زجاجة «فاسْتَتَرَ في الفعل. وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ أنَّه بالياءِ من تحتُ.
والضميرُ المستترُ يعودُ على المصباح.
وقرأ الحسن والسلمي وابن محيصن، ورُوِيَتْ عن عاصم من طريقِ المفضِّلِ كذلك، إلاَّ أنَّه ضَمَّ الدال، جعله مضارع «تَوَقَّدَ»
، والأصلُ: تَتَوَقَّد بتاءَيْن، فحُذِفَ إحداهما ك «تَذَكَّرُ». والضميرُ أيضًاً للزُّجاجة.
وقرأ عبد الله «وَقَّدَ» فعلاً ماضياً بزنةِ قَتَّلَ مشدداً، أي: المصباح. وقرأ الحسنُ وسَلاَّم أيضًاً «يَوَقَّدُ» بالياء مِنْ تحتُ، وضَمِّ الدال، مضارعَ تَوَقَّدَ. والأصلُ يَتَوَقَّدُ بياءٍ من تحتُ، وتاءٍ مِنْ فوقُ، فَحُذِفَتْ التاءُ مِنْ فوقُ. هذا شاذٌ إذ لم يتوالَ مِثْلان، ولم يَبْقَ في اللفظِ ما يَدُلُّ على المحذوف، بخلافِ «تَنَزَّلُ» و «تَذَكَّرُ» وبابِه؛ فإنَّ فيه تاءَيْن، والباقي يَدُلُّ على ما فُقِد.
وقد يُتَمَحَّلُ لصحتِه وجهٌ من القياس وهو: أنهم قد حَمَلوا أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ على يَعِدُ في حَذْفٍ الواوِ لوقوعِها بين ياءٍ وكسرةٍ فكذلك حَمَلوا يَتَوَقَّد بالياء والتاء على تَتَوَقَّد بتاءين، وإنْ لم يكنْ الاستثقالُ موجوداً في الياء والتاء. اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon