النساء ٤٦ - ٤٧
إزالته عن مواضعه التى أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه ومعنى من بعد مواضعه أنه كان له مواضع هو جدير بان يكون فيها فحين حرفوه تركوه كالغريب الذى لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاران ويقولون سمعنا قولك وعصينا أمرك قيل أسروا به واسمع قولنا غير مسمع حال من المخاطب أى اسمع و أنت غير مسمع هو قول ذو وجهين يحتمل الذم أى اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت لأنه لو أجبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئا فكان أصم غير مسمع قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم لا سمعت دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوا إليه ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك فكأنك لم تسمع شيئا أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه فسمعك عنه ناب ويحتمل المدح أى اسمع غير مسمع مكروها من قولك أسمع فلان فلانا إذا سبه وكذلك قوله وراعنا يحتمل راعنا نكلمك أى ارقبنا وانتظرنا ويحتمل سبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله عليه و سلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام ليا بألسنتهم فتلابها وتحريفا أى يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا سمعت مكروها أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا وطعنا فى الدين هو قولهم لو كان نبيا حقا لأخبر بما نعتقد فيه ولو أنهم قالوا سمعنا واطعنا ولم يقولوا وعصينا واسمع ولم يلحقوا به غير مسمع وانظرنا مكان راعنا لكان قولهم ذاك خيرا لهم عند الله وأقوم وأعدل وأسد ولكن لعنهم الله بكفرهم طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر فلا يؤمنون إلا قليلا منهم قد آمنوا كعبد الله ابن سلام وأصحابه أو إلا إيمانا قليلا ضعيفا لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره ولما لم يؤمنوا أنزل يا أيها الذين اوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا يعنى القرآن مصدقا لما معكم يعنى التوراة من قبل أن نطمس وجوها أى نمحوا تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم فنردها على أدبارها فنجعلها على هيئة أدبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها والفاء للتسبيب و إن جعلتها للتعقيب على أنهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر ردها على أدباراها بعد طمسها فالمعنى أن نطمس وجوها فننكس الوجوه إلى خلف والأقفاء إلى قدام وقيل المراد


الصفحة التالية
Icon