هود ٤٥ - ٤٦
نوح وقومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف العهد عن ذلك ولم يقل وسويت على الجودى أى أقرت على نحو قيل وغيض اعتبارا لبناء الفاعل مع السفينة فى قوله وهى تجرى بهم ارادة للمطابقة ثم قيل بعد للقوم ولم يقل ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذلك أنه قدم النداء على الأمر فقيل أيا ارض ابلعى ويا سماء أقعلى ولم يقل ابلعى يا ارض وأقلعى يا سماء جريا على مقتضى الكلام فيمن كان مامورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه فى نفس المنادى قصدا بذلك لمعنى الترشيح ثم قدم الأرض على أمر المساء وابتدأ به الطوفان منها ثم أتبع وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها ثم ذكر ما هو المقصود وهو قوله وقضى الأمر أى أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وانجاء نوح ومن معه فى الفلك وعلى هذا فاعتبر ومن جهة الفصاحة المعنوية وهى كما ترى نظم للمعانى لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ولا التواء يشبك الطريق إلى المرتاد ومن جهة الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات سلسلة على الاسلات كل منها كالماء فى السلاسة وكالعسل فى الحلاوة وكالنسيم فى الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر على الإتيان بمثل هذه الآية ولله در شأن التنزيل لا يتامل العالم آية من اياته إلا أدرك لطائف لاتسع الحصر ولا تظنن الآية مقصورة على المذكور فلعل المتروك اكثر من المسطور ونادى نوح ربه فقال رب نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده فى تنجية اهله إن ابنى من أهلى أى بعض أهلى لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له فهو بعض اهله وان وعدك الحق وان كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذى لا شك فى انجازه والوفاء به وقد وعدتنى أن تنجى اهلى فما بال ولدى و أنت أحكم الحاكمين أى اعلم الحكام واعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل ورب غريق فى الجهل والجور من متقلدى الحكومة فى زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر قال يا نوح أنه ليس من اهلك ثم علل لانتفاء كونه من اهله بقوله أنه عمل غير صالح وفيه ايذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وان نسيبك فى دينك وان كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك ومن لم يكن على دينك وان كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة فى دمة كقولها


الصفحة التالية
Icon