العنكبوت ٤ - ١
سورة العنكبوت مكية وهي تسع وستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

ألم احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الحسبان قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن بخلاف الشك فهو الوقوف بينمها والعلم فهو القطع على أحدهما ولا يصح تعليقهما لمعاني المفردات ولكن بمضامين الجمل فلو قلت حسبت زيدا وظننت الفرس لم يكن شيئا حتى تقول حسبت زيدا عالما وظننت الفرس جوادا لأن قولك زيد عالم والفرس جواد كلام دال على مضمون فإذا أردت الأحبار على ذلك المضمون ثابتا عندك على وجه الظن لا اليقين أدخلت على شطري الجملة فعل الحسبان حتى يتم لك غرضك والكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان هنا أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يقتنون وذلك أن تقديره أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا فالترك أول مفعولي حسب ولقولهم آمنا هو الخبر وأما غير مفتونين فتتمة الترك لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير كقول عنترة
فتركته جزر السباع يفشنه
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبا ن تقدران تقول تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قيل اللام هو استفهام توبيخ والفتنة الإمتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء وسائر الطاعات الشاقة وهجر الشهوات وبالفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ومصابرة الكفار على آذاهم وكيدهم وروى أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله ص - قد جزعوا من أذى المشركين أو في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله ولقد فتنا اختبرنا وهو موصول بأحسب أو بلا يفتنون الذين من قبلهم بأنواع الفتن فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك عن دينه فليعلمن الله بالامتحان الذين صدقوا في الإيمان وليعلمن الكاذبين فيه ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجودا عند وجوده كما علمه قبل وجوده أنه يوجد والمعنى وليتميزن الصادق منهم من الكاذب قال بن عطاء يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين أم حسب الذين يعملون


الصفحة التالية
Icon