قد تقدم تفسير الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل وقال مكي : إن الميثاق الذي أخذه الله عليهم هنا هو ما أخذه الله عليهم في حياتهم على ألسن أنبيائهم وهو قوله : ٨٣ - ﴿ لا تعبدون إلا الله ﴾ وعبادة الله إثبات توحيده وتصديق رسله والعمل بما أنزل في كتبه قال سيبويه : إن قوله :﴿ لا تعبدون إلا الله ﴾ هو جواب قسم والمعنى استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وقيل : هو إخبار في معنى الأمر ويدل على قراءة أبي وابن مسعود لا تعبدوا على النهي ويدل عليه أيضا ما عطف عليه من قوله :﴿ وقولوا ﴾ ﴿ وأقيموا ﴾ ﴿ وآتوا ﴾ وقال قطرب والمبرد : إن قوله :﴿ لا تعبدون ﴾ جملة حالية : أي أخذنا ميثاقهم موحدين أو غير معاندين قال القرطبي : وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي يعبدون بالياء التحتية وقال الفراء والزجاج وجماعة : إن معناه أخذنا ميثاقكم بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن تحسنوا بالوالدين وبأن لا تسفكوا الدماء : ثم حذف أن فارتفع الفعل لزوالها قال المبرد : هذا خطأ لأ كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا وقال القرطبي : ليس بخطأ بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد :

( ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي )
بالنصب لقوله : أحضر وبالرفع والإحسان إلى الوالدين : معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرها وسائر ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق والقربى : مصدر كالرجعى والعقبى هم القرابة - والإحسان بهم : صلتهم والقيام بما يحتاجون إليه بحسب الطاقة وبقدر ما تبلغ إليه القدرة واليتامى جمع يتيم واليتيم في بني آدم من فقد أبوه وفي سائر الحيوانات : من فقدت أمه وأصله الانفراد - يقال : صبي يتيم : أي منفرد من أبيه والمساكين جمع مسكين وهو من أسكنته الحاجة وذللته وهو أشد فقرا من الفقير عند أكثر أهل اللغة وكثير من أهل الفقه وروي عن الشافعي أن الفقير أسوأ حالا من المسكين وقد ذكر أهل العلم لهذا البحث أدلة مستوفاة في مواطنها ومعنى قوله :﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾ أي قولوا لهم قولا حسنا فهو صفة مصدر محذوف وهو مصدر كبشرى وقرأ حمزة والكسائي حسنا بفتح الحاء والسين وكذلك قرأ زيد بن ثابت وابن مسعود قال الأخفش : هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل والرشد والرشد وحكى الأخفش أيضا حسنى بغير تنوين على فعلى قال النحاس : وهذا لا يجوز في العربية لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام نحو الفضلى والكبرى والحسنى وهذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر حسنا بضمتين : والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه أنه حسن شرعا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر وقد قيل : إن ذلك هو كلمة التوحيد وقيل : الصدق وقيل : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل : غير ذلك وقوله :﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ قد تقدم تفسيره وهو خطاب لبني إسرائيل فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ولا تنزل على ما لا يقبل وقوله :﴿ ثم توليتم ﴾ قيل : الخطاب للحاضرين منهم في عصر النبي صلى الله عليه و سلم لأنهم مثل سلفهم في ذلك وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وقوله :﴿ إلا قليلا ﴾ منصوب على الاستثناء ومنهم عبد الله بن سلام وأصحابه وقوله :﴿ وأنتم معرضون ﴾ في موضع كالنصب على الحال والإعراض والتولي بمعنى واحد وقيل : التولي بالجسم والإعراض بالقلب


الصفحة التالية
Icon