قوله : ١٢٤ - ﴿ وإذ ابتلى ﴾ الابتلاء : الامتحان والاختار : أي ابتلاه بما أمره به و ﴿ إبراهيم ﴾ معناه في السريانية أب رحيم كذا قال الماوردي قال ابن عطية : ومعناه في العربية ذلك قال السهيلي : وكثيرا ما يقع الإتفاق بين السرياني والعربي وقد أورد صاحب الكشاف هنا سؤالا في رجوع الضمير إلى إبراهيم مع كون رتبته التأخير وأجاب عنه بأنه قد تقدم لفظا فرجع إليه والأمر في هذا أوضح من أن يشتغل بذكره أو ترد في مثله الأسئلة أو يسود وجه القرطاس بإيضاحه وقوله :﴿ بكلمات ﴾ قد اختلف العلماء في تعيينها فقيل : هي شرائع الإسلام وقيل : ذبح ابنه وقيل : أداء الرسالة وقيل : هي خصال الفطرة وقيل : هي قوله :﴿ إني جاعلك للناس إماما ﴾ وقيل : بالطهارة كما سيأتي بيانه قال الزجاج : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذا كله مما ابتلي به إبراهيم انتهى وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله :﴿ قال إني جاعلك ﴾ وما بعده ويكون ذلك بيانا للكلمات وسيأتي عن بعض السلف ما يوافق ذلك وعن آخرين ما يخالفه وعلى هذا فيكون قوله :﴿ قال إني جاعلك ﴾ مستأنفا كأنه ماذا قال له وقال ابن جرير ما حاصله إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ذلك وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له ثم قال : فلو قال قائل : إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب : يعني أن الكلمات هي قوله :﴿ إني جاعلك للناس إماما ﴾ وقوله :﴿ وعهدنا إلى إبراهيم ﴾ وما بعده ورجح ابن كثير أنها تشمل جميع ما ذكر وسيأتي التصريح بما هو الحق بعد إيراد ما ورد عن السلف الصالح وقوله :﴿ فأتمهن ﴾ أي قام بهن أتم قيام وامتثل أكمل امتثال والإمام : هو ما يؤتم به ومنه قيل للطريق إمام وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك : أي يهتدي به السالك والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ وقوله :﴿ ومن ذريتي ﴾ يحتمل أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم أي واجعل من ذريتي أئمة ويحتمل أن يكون هذا من إبراهيم بقصد الاستفهام وإن لم يكن بصيغته : أي ومن ذريتي ماذا يكون يا رب ؟ فأخبره أن فيهم عصاة وظلمة وأنهم لا يصلحون لذلك ولا يقومون به ولا ينالهم عهد الله سبحانه والذرية مأخوذة من الذر لأن الله أخرج الخلق من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم كالذر وقيل : مأخوذة من ذرأ الله الخلق يذرؤهم إذا خلقهم وفي الكتاب العزيز :﴿ فأصبح هشيما تذروه الرياح ﴾ قال في الصحاح : ذرت الريح السحاب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا : أي نسفته وقال الخليل : إنما سموا ذرية لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر واختلف في المراد بالعهد فقيل : الإمامة وقيل : النبوة وقيل : عهد الله أمره وقيل : الأمان من عذاب الآخرة ورجحه الزجاج والأول أظهر كما يفيده السياق وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لا بد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالما ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا إلى السياق فيستدل به على اشتراط السلامة من وصف الظلم في كل من تعلق بالأمور الدينية وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل انه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه انتهى ولا يخفاك أنه لا جدوى لكلامه هذا فالأولى أن يقال : إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولوا أمور الشرع ظالما وإنما قلنا : إنه في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرا من الظالمين