والإشارة بقوله ٤٤ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما سبق من الأمور التي أخبر الله بها والوحي في اللغة : الإعلام في خفاء يقال : وحى وأوحى بمعنى قال ابن فارس : الوحي الإشارة والكتابة والرسالة وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى تعلمه قوله ﴿ وما كنت لديهم ﴾ تحضرنهم يعني المتنازعين في تربية مريم وإنما نفى حضوره عندهم مع كونه معلوما لأنهم أنكروا الوحي كان ذلك الإنكار صحيحا لم يبق طريق للعلم به إلا المشاهدة والحضور وهم لا يدعون ذلك فثبت كونه وحيا تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة ولا ممن يلابس أهلها والأقلام جمع قلم من قلمه إذا قطعه : أي أقلام يكتبون بها وقيل : قداحهم ﴿ أيهم يكفل مريم ﴾ أي يحضنها أي يلقون أقلامهم ليعلموا أيهم يكفلها وذلك عند اختصامهم في كفالتها فقال زكريا : هو أحق بها لكون خالتها عنده وهي أشبع أخت حنة أم مريم وقال بنو إسرائيل : نحن أحق بها لكونها بنت عالمنا فاقترعوا وجعلوا أقلامهم في الماء الجاري على أن من وقف قلمه ولم يجر مع الماء فهو صاحبها فجرت أقلامهم ووقف قلم زكريا وقد استدل بهذا من أثبت القرعة والخلاف في ذلك معروف وقد ثبتت أحاديث صحيحة في اعتبارها
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما رأى زكريا ذلك يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال : إن الذي أتى بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولدا فذلك حين دعا ربه وأخرج ابن عساكر عن الحسن نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ﴿ ذرية طيبة ﴾ يقول : مباركة وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن أبي حماد قال : في قراءة ابن مسعود : فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال ﴿ فنادته الملائكة ﴾ أي جبريل وأخرج ابن المنذر عن السدي قال : المحراب المصلى وقد أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ اتقوا هذه المذابح ] يعني المحاريب وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى ] وقد رويت كراهة ذلك عن جماعة من الصحابة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان وأخرجوا عن ابن عباس قال ﴿ مصدقا بكلمة من الله ﴾ قال : عيسى بن مريم هو الكلمة وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه قال : كان يحيى وعيسى ابني الخالة وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ وسيدا ﴾ قال : حليما تقيا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : السيد الكريم على الله وأخرج ابن جرير عن ابن المسيب قال : السيد الفقيه العالم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ وسيدا وحصورا ﴾ قال : السيد الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير في الحصور مثله وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحصور الذي لا ينزل الماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ كان ذكره مثل هدبة الثوب ] وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفا وهو أقوى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : اسم أم يحيى أشيع وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ﴿ اجعل لي آية ﴾ قال : بالحمل به وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام ﴾ قال : إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ﴿ إلا رمزا ﴾ قال : الرمز بالشفتين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الرمز الإشارة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ وسبح بالعشي والإبكار ﴾ قال : العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ] وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أفضل نساء العالمين خديجة وفاطمة ومريم وآسية امرأة فرعون ] وأخرج ابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج نحوه أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم من حديثه مرفوعا وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام ] وفي المعنى أحاديث كثيرة وكلها تفيد أن مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها لا نساء جميع العالم ويؤيده ما أخرجه ابن عساكر عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ أربع نسوة سادات نساء عالمهن : مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وأفضلهن عالما فاطمة ] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ﴿ يا مريم اقنتي لربك ﴾ قال : أطيلي الركود يعني القيام وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ﴿ اقنتي لربك ﴾ قال : أخلصي وأخرج عن قتادة قال : أطيعي ربك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ﴾ قال : إن مريم لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهم يكتبون الوحي فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها قال الله لمحمد ﴿ وما كنت لديهم ﴾ الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وكذلك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج أن الأقلام هي التي يكتبون بها التوراة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء أنها القداح