قوله ٤٧ - ﴿ أنى يكون لي ولد ﴾ أي : كيف يكون على طريقة الاستبعاد العادي ﴿ ولم يمسسني بشر ﴾ جملة حالية : أي والحال أنه على حالة منافية للحالة المعتادة من كون له أب ﴿ قال كذلك الله يخلق ما يشاء ﴾ هو من كلام الله سبحانه وأصل القضاء الأحكام وقد تقدم وهو هنا الإرادة : أي إذا أراد أمرا من الأمور ﴿ فإنما يقول له كن فيكون ﴾ من غير عمل ولا مزاولة وهو تمثيل لكمال قدرته
قوله ٤٨ - ﴿ ويعلمه الكتاب ﴾ قيل : هو معطوف على ﴿ يبشرك ﴾ : أي إن الله يبشرك وإن الله يعلمه وقيل على ﴿ يخلق ﴾ : أي وكذلك يعلمه الله أو كلام مبتدأ سيق تطييبا لقلبها والكتاب الكتابة والحكمة العلم وقيل تهذيب الأخلاق وانتصاب رسولا على تقدير ويجعله رسولا أو ويكلمهم رسولا أو وأرسلت رسولا وقيل : هو معطوف على قوله ﴿ وجيها ﴾ فيكون حالا لأن فيه معنى النطق : أي وناطقا قال الأخفش : وإن شئت جعلت الواو في قوله : ورسولا مقحمة والرسول حالا
قوله ٤٩ - ﴿ أني قد جئتكم ﴾ معمول لرسول لأن فيه معنى النطق كما مر وقيل أصله بأني قد جئتكم فحذف الجار وقيل منصوب بمضمر أي تقول أني قد جئتكم وقيل معطوف على الأحوال السابقة وقوله ﴿ بآية ﴾ في محل نصب على الحال : أي متلبسا بعلامة كائنة ﴿ من ربكم ﴾ وقوله ﴿ أني أخلق ﴾ أي أصور وأقدر ﴿ لكم من الطين كهيئة الطير ﴾ وهذه الجملة بدل من الجملة الأولى وهي ﴿ أني قد جئتكم ﴾ أو بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف : أي هي أني وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ الأعرج وأبو جعفر كهيئة الطير بالتشديد والكاف في قوله ﴿ كهيئة الطير ﴾ نعت مصدر محذوف : أي أخلق لكم خلقا أو شيئا مثل هيئة الطير وقوله ﴿ فأنفخ فيه ﴾ أي في ذلك الخلق أو ذلك الشيء فالضمير راجع إلى الكاف في قوله : كهيئة الطير وقيل الضمير راجع إلى الطير : أي الواحد منه وقيل إلى الطين وقرئ : فيكون طائرا وطيرا مثل تاجر وتجر وقيل إنه لم يخلق غير الخفاش لما فيه من عجائب الصنعة فإن له ثديا وأسنانا وأذنا ويحيض ويطهر وقيل إنهم طلبوا خلق الخفاش لما فيه من العجائب المذكورة ولكونه يطير بغير ريش ويلد كما يلد سائر الحيوانات مع كونه من الطير ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في ساعتين : بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة وهو يضحك كما يضحك الإنسان وقيل إن سؤالهم له كان على وجه التعنت قيل كان يطير ما دام الناس ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الله من فعل غيره وقوله ﴿ بإذن الله ﴾ فيه دليل على أنه لولا الإذن من الله عز و جل لم يقدر على ذلك وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه أجراه على يد عيسى عليه السلام قيل كانت تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله عز و جل قوله ﴿ وأبرئ الأكمه ﴾ الأكمه : الذي يولد أعمى كذا قال أبو عبيدة وقال ابن فارس : الكمه العمى يولد به الإنسان وقد يعرض يقال : كمه يكمه كمها : إذا عمي وكمهت عينه : إذا أعميتها وقيل الأكمه : الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وقيل : هو الممسوح العين والبرص معروف وهو بياض يظهر في الجلد وقد كان عيسى عليه السلام يبرئ من أمراض عدة كما اشتمل عليه الإنجيل وإنما خص الله سبحانه هذين المرضين بالذكر لأنهما لا يبرآن في الغالب بالمداواة وكذلك إحياء الموتى قد اشتمل الإنجيل على قصص من ذلك قوله ﴿ وأنبئكم بما تأكلون ﴾ أي أخبركم بالذي تأكلونه وبالذي تدخرونه