تشبيه عيسى بآدم في كونه مخلوقا من غير أب كآدم ولا يقدح في التشبيه اشتمال المشبه به على زيادة وهو كونه لا أم له : كما أنه لا أب له فذلك أمر خارج عن الأمر المراد بالتشبيه وإن كان المشبه به أشد غرابة من المشبه وأعظم عجبا وأغرب أسلوبا وقوله ﴿ خلقه من تراب ﴾ جملة مفسرة لما أبهم في المثل : أي أن آدم لم يكن له أب ولا أم بل خلقه الله من تراب وفي ذلك دفع لإنكار من أنكر خلق عيسى من غير أب مع اعترافه بأن آدم خلق من غير أب وأم قوله ﴿ ثم قال له كن فيكون ﴾ أي كن بشرا فكان بشرا وقوله ﴿ فيكون ﴾ حكاية حال ماضية وقد تقدم تفسير هذا
وقوله ٦٠ - ﴿ الحق من ربك ﴾ قال الفراء : هو مرفوع بإضمار هو وقال أبو عبيدة : هو استئناف كلام وخبره قوله ﴿ من ربك ﴾ وقيل : هو فاعل فعل محذوف : أي جاءك الحق من ربك قوله ﴿ فلا تكن من الممترين ﴾ الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس : أي لا يكن أحد منكم ممتريا أو للرسول صلى الله عليه و سلم ويكون النهي له لزيادة التثبيت لأنه لا يكون منه شك في ذلك
قوله ٦١ - ﴿ فمن حاجك فيه ﴾ هذا وإن كان عاما فالمراد به الخاص وهم النصارى الذين وفدوا إليه صلى الله عليه و سلم من نجران كما سيأتي بيانه ويمكن أن يقال هو على عمومه وإن كان السبب خاصا فيدل على جواز المباهلة منه صلى الله عليه و سلم لكل من حاجه في عيسى عليه السلام وأمته أسوته وضمير فيه لعيسى والمراد بمجيء العلم هنا مجيء سببه وهو الآيات البينات والمحاجة : المخاصمة والمجادلة وقوله ﴿ تعالوا ﴾ أي : هلموا وأقبلوا وأصله الطلب لإقبال الذوات ويستعمل في الرأي إذا كان المخاطب حاضرا كما تقول لمن هو حاضر عندك : تعال ننظر في هذا الأمر قوله ﴿ ندع أبناءنا ﴾ إلخ اكتفي بذكر البنين عن البنات إما لدخولهن في النساء أو لكونهم الذين يحضرون مواقف الخصام دونهن ومعنى الآية : ليدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة وفيه دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء لكونه صلى الله عليه و سلم أراد بالأبناء الحسنين كما سيأتي قوله :﴿ نبتهل ﴾ أصل الابتهال الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره يقال بهله الله : أي لعنه والبهل اللعن قال أبو عبيد والكسائي : نبتهل نلتعن ويطلق على الاجتهاد في الهلاك ومنه قول لبيد :

( في كهول سادة من قومه نظر الدهر إليهم فابتهل )
أي : فاجتهد في هلاكهم قال في الكشاف : ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا قوله ﴿ فنجعل لعنة الله على الكاذبين ﴾ عطف على نبتهل مبين لمعناه
٦٣ - ﴿ فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ﴾


الصفحة التالية
Icon