قوله ٤٩ - ﴿ ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ﴾ تعجيب من حالهم وقد اتفق المفسرون على أن المراد اليهود واختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم فقال الحسن وقتادة : هو قولهم ﴿ نحن أبناء الله وأحباؤه ﴾ وقولهم :﴿ لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ﴾ وقال الضحاك : هو قولهم لا ذنوب لنا ونحن كالأطفال وقيل قولهم : إن آباءهم يشفعون لهم وقيل : ثناء بعضهم على بعض ومعنى التزكية : التطهير والتنزيه فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم ويدخل في هذا التقلب بالألقاب المتضمنة للتزكية كمحيي الدين وعز الدين ونحوهما قوله ﴿ بل الله يزكي من يشاء ﴾ أي : ذلك إليه سبحانه فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ومن لا يستحقها فليدع العباد تزكية أنفسهم ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها محبة النفس وطلب العلو والترفع والتفاخر ومثل هذه الآية قوله تعالى ﴿ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ﴾ قوله ﴿ ولا تظلمون ﴾ أي هؤلاء المزكون لأنفسهم ﴿ فتيلا ﴾ وهو الخيط الذي في نواة التمر وقيل : القشرة التي حول النواة وقيل : هو ما يخرج بين أصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما فهو فتيل بمعنى مفتول والمراد هنا : الكناية عن الشيء الحقير ومثله ﴿ ولا يظلمون نقيرا ﴾ وهو النكتة التي في ظهر النواة والمعنى : أن هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون ويجوز أن يعود الضمير إلى ﴿ من يشاء ﴾ أي : لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلا مما يستحقونه من الثواب
ثم عجب النبي صلى الله عليه و سلم من تزكيتهم لأنفسهم فقال ٥٠ - ﴿ انظر كيف يفترون على الله الكذب ﴾ في قولهم ذلك والافتراء : الاختلاق ومنه افترى فلان على فلان : أي رماه بما ليس فيه وفريت الشيء : قطعته وفي قوله ﴿ وكفى به إثما مبينا ﴾ من تعظيم الذنب وتهويله ما لا يخفى


الصفحة التالية
Icon