قوله : ٢٦ - ﴿ وهم ينهون عنه وينأون عنه ﴾ أي ينهى المشركون الناس عن الإيمان بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه و سلم ويبعدون هم في أنفسهم عنه وقيل إنها نزلت في أبي طالب فإنه كان ينهى الكفار عن أذية النبي صلى الله عليه و سلم ويبعد هو عن إجابته ﴿ وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ﴾ أي ما يهلكون بما يقع منهم من النهي والنأي إلا أنفسهم بتعريضها لعذاب الله وسخطه والحال أنهم ما يشعرون بهذا البلاء الذي جلبوه على أنفسهم
قوله : ٢٧ - ﴿ ولو ترى إذ وقفوا على النار ﴾ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم أو لكل من تتأتى منه الرؤية وعبر عن المستقبل يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره علماء المعاني و ﴿ وقفوا ﴾ معناه حبسوا يقال : وقفته وقفا ووقت وقوفا وقيل معنى :﴿ وقفوا على النار ﴾ أدخلوها فتكون على بمعنى في وقيل هي بمعنى الباء : أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها ومفعول ترى محذوف وجواب لو محذوف ليذهب السامع كل مذهب والتقدير : لو تراهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظرا هائلا وحالا فظيعا ﴿ فقالوا يا ليتنا نرد ﴾ أي إلى الدنيا ﴿ ولا نكذب بآيات ربنا ﴾ أي التي جاءنا بها رسوله صلى الله عليه و سلم ﴿ ونكون من المؤمنين ﴾ بها العاملين بما فيها والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني : أي تمنوا الرد وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين برفع الأفعال الثلاثة كما هي قراءة الكسائي وأهل المدينة وشعبة وابن كثير وأبي عمرو وقرأ حفص وحمزة بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني واختار سيبويه القطع في ﴿ ولا نكذب ﴾ فيكون غير داخل في التمني والتقدير : ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب : أي لا نكذب رددنا أو لم نرد قال : وهو مثل دعني ولا أعود : أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله :﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ لأن الكذب لا يكون في التمني وقرأ ابن عامر ﴿ ونكون ﴾ بالنصب وأدخل الفعلين الأولين في التمني وقرأ أبي ﴿ ولا نكذب بآيات ربنا ﴾ وقرأ هو وابن مسعود ﴿ يا ليتنا نرد ولا نكذب ﴾ بالفاء والنصب والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج وقال أكثر البصريين : لا يجوز الجواب إلا بالفاء
قوله : ٢٨ - ﴿ بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ﴾ هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق : أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد بل هو لسبب آخر وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون : أي يجحدون من الشرك وعرفوا أنهم هالكون بشركهم فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة وقيل : بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم وقيل : بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى :﴿ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ﴾ وقال المبرد : بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وهو مثل القول الأول وقيل المعنى : أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة ﴿ ولو ردوا ﴾ إلى الدنيا حسبما تمنوا ﴿ لعادوا ﴾ لفعل ما نهوا عنه من القبائح التي رأسها الشرك كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا وقيل المعنى : وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان وقرأ يحيى بن وثاب ﴿ ولو ردوا ﴾ بكسر الراء لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء وجملة ﴿ وإنهم لكاذبون ﴾ معترضة بين المعطوف وهو وقالوا وبين المعطوف عليه وهو لعادوا : أي لعادوا إلى ما نهوا عنه


الصفحة التالية
Icon