هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم قال النحاس : الجن المفعول الأول وشركاء المفعول الثاني كقوله تعالى :﴿ وجعلكم ملوكا ﴾ ﴿ وجعلت له مالا ممدودا ﴾ وأجاز الفراء : أن يكون الجن بدلا من شركاء ومفسرا له وأجاز الكسائي رفع الجن بمعنى هم الجن كأنه قيل : من هم ؟ فقيل : الجن وبالرفع قرأ يزيد بن أبي قطيب وأبو حيان وقرئ بالجر على إضافة شركاء إلى الجن للبيان والمعنى : أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه وعظموهم كما عظموه وقيل : المراد بالجن هاهنا الملائكة لاجتنانهم : أي استتارهم وهم الذين قالوا : الملائكة بنات الله وقيل : نزلت في الزنادقة الذين قالوا : إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب وروي ذلك عن الكلبي ويقرب من هذا قول المجوس فإنهم قالوا : للعالم صانعان هما الرب سبحانه والشيطان وهكذا القائلون : كل خير من النور وكل شر من الظلمة وهم المانوية قوله :﴿ وخلقهم ﴾ جملة حالية بتقدير قد : أي وقد علموا أن الله خلقهم أو خلق ما جعلوه شريكا لله قوله :﴿ وخرقوا له بنين وبنات ﴾ قرأ نافع بالتشديد على التكثير لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله والنصارى ادعوا أن المسيح ابن الله واليهود ادعوا أن عزيرا ابن الله فكثر ذلك من كفرهم فشدد الفعل لمطابقة المعنى وقرأ الباقون بالتخفيف وقرئ حرفوا من التحريف : أي زوروا قال أهل اللغة : معنى خرقوا اختلقوا وافتعلوا وكذبوا يقال : اختلق الإفك واخترقه وخرقه أو أصله من خرق الثوب : إذا شقه : أي اشتقوا له بنين وبنات قوله :﴿ بغير علم ﴾ متعلق بمحذوف هو حال : أي كائنين بغير علم بل قالوا ذلك عن جهل خالص ثم بعد حكاية هذا الضلال البين والبهت الفظيع من جعل الجن شركاء لله وإثبات بنين وبنات له نزه الله نفسه فقال :﴿ سبحانه وتعالى عما يصفون ﴾ وقد تقدم الكلام في معنى سبحانه ومعنى تعالى : تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذي وصفوه به