قوله : ٢٠ - ﴿ فوسوس لهما الشيطان ﴾ الوسوسة : الصوت الخفي والوسوسة : حديث النفس يقال : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو والوسوسة بالفتح الاسم : مثل الزلزلة والزلزال ويقال : لهمس الصائد والكلاب وأصواب الحلى وسواس قال الأعشى :
( تسمع للحلي وسواسا إذا انصرفت )
والوسواس : اسم الشيطان ومعنى وسوس له وسوس إليه أو فعل الوسوسة لأجله قوله :﴿ ليبدي لهما ﴾ أي ليظهر لهما واللام للعاقبة كما في قوله :﴿ ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ وقيل هي لام كي : أي فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء أو لكي يقع الإيذاء قوله :﴿ ما وري ﴾ أي ما ستر وغطى ﴿ عنهما من سوآتهما ﴾ سمى الفرج سوءة لأن ظهوره يسوء صاحبه أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستورا عنهما من عوراتهما فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما ولا يراها أحدهما من الآخر وإنما لم تقلب الواو في ﴿ وري ﴾ همزة لأن الثانية مدة قيل : إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها ﴿ وقال ﴾ أي الشيطان لهما ﴿ ما نهاكما ربكما عن ﴾ أكل هذه الشجرة ﴿ إلا أن تكونا ملكين ﴾ أن في موضع نصب وفي الكلام مضاف محذوف تقديره : ولا كراهة أن تكونا ملكين هكذا قال البصريون وقال الكوفيون : التقدير لئلا تكونا ملكين ﴿ أو تكونا من الخالدين ﴾ في الجنة أو من الذين لا يموتون قال النحاس : فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن فمنها هذا ومنها ﴿ ولا أقول إني ملك ﴾ ومنها ﴿ ولا الملائكة المقربون ﴾ قال ابن فورك : لا حجة في هذه الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام
وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه فالكلام فيها لا يعنينا وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك ملكين بكسر اللام وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال : لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى :﴿ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ﴾ قال أبو عبيد : هذه حجة بينة لقراءة الكسر ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها قال النحاس : هي قراءة شاذة وأنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش قال : وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليه السلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهي غاية الطالبين وإنما معنى ﴿ وملك لا يبلى ﴾ المقام في ملك الجنة والخلود فيه


الصفحة التالية
Icon