ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المسجد فقال : ١٨ - ﴿ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ﴾ وفعل ما هو من لوازم الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ﴿ ولم يخش ﴾ أحدا ﴿ إلا الله ﴾ فمن كان جامعا بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد لا من كان خاليا منها أو من بعضها واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيها بما هو من أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده لأن كل ذلك من لوازم الإيمان وقد تقدم الكلام في وجه جمع المساجد وفي بيان ماهية العمارة ومن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما وفي قوله :﴿ فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ﴾ حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوا فقط فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات وقيل عسى من الله واجبة وقيل هي بمعنى خليق : أي فخليق أن يكونوا من المهتدين وقيل : إن الرجاء راجع إلى العباد
والاستفهام في ١٩ - ﴿ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ﴾ للإنكار والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية وفي الكلام حذف والتقدير : أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد أو أهلهما ﴿ كمن آمن ﴾ حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر : أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعمل من آمن أو كإيمان من آمن وقرأ ابن أبي وجزة السعدي وابن الزبير وسعيد بن جبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام جمع ساق وعامر وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف والمعنى : أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التي صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال :﴿ لا يستون عند الله ﴾ أي لا تساوي تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التي يدعيها المشركون : أي إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه وفي هذا إشارة إلى الفريق