قوله : ٤١ - ﴿ لا يحزنك ﴾ قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي والحزن والحزن خلاف السرور وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين : وأحزنه غيره وحزنه قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما وفي الآية النهي له صلى الله عليه و سلم عن التأثر لمسارعة الكفرة في كفرهم تأثرا بليغا لأن الله سبحانه قد وعده في غير موطن بالنصر عليهم والمسارعة إلى الشيء : الوقوع فيه بسرعة والمراد هنا وقوعهم في الكفر بسرعة عند وجود فرصة وآثر لفظ في على لفظ إلى للدلالة على استقرارهم فيه ومن في قوله :﴿ من الذين قالوا ﴾ بيانية والجملة مبينة للمسارعين في الكفر والباء في ﴿ بأفواههم ﴾ متعلقة بقالوا لا بآمنا وهؤلاء الذين قالوا آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم هم المنافقون ﴿ ومن الذين هادوا ﴾ يعني اليهود وهو معطوف على ﴿ من الذين قالوا آمنا ﴾ وهو تمام الكلام والمعنى : أن المسارعين في الكفر طائفة المنافقين وطائفة اليهود
وقوله : ٤٢ - ﴿ سماعون للكذب ﴾ خبر مبتدأ محذوف : أي هم سماعون للكذب فهو راجع إلى الفريقين أو إلى المسارعين واللام في قوله :﴿ للكذب ﴾ للتقوية أو لتضمين السماع معنى القبول وقيل إن قوله :﴿ سماعون ﴾ مبتدأ خبره ﴿ من الذين هادوا ﴾ أي ومن الذين هادوا قوم ﴿ سماعون للكذب ﴾ أي قابلون لكذب رؤسائهم المحرفين للتوراة قوله :﴿ سماعون لقوم آخرين ﴾ خبر ثان واللام فيه كاللام في للكذب وقيل اللام للتعليل في الموضعين أي سماعون لكلام رسول الله لأجل الكذب عليه وسماعون لأجل قوم آخرين وجهوهم عيونا لهم لأجل أن يبلغوهم ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله :﴿ لم يأتوك ﴾ صفة لقوم : أي لم يحضروا مجلسك وهم طائفة من اليهود كانوا لا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم تكبرا وتمردا وقيل هم جماعة من المنافقين كانوا يتجنبون مجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الفراء : ويجوز سماعين كما قال :﴿ ملعونين أينما ثقفوا ﴾ قوله :﴿ يحرفون الكلم من بعد مواضعه ﴾ من جملة صفات القوم المذكورين : أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها ويتأولونه على غير تأويله والمحرفون هم اليهود وقيل إن هذه الجملة خبر مبتدأ محذوف وقيل في محل نصب على الحال من ﴿ لم يأتوك ﴾ وقيل مستأنفة لا محل لها من الإعراب لقصد تعداد معايبهم ومثالبهم ومعنى ﴿ من بعد مواضعه ﴾ من بعد كونه موضوعا في مواضعه أو من بعد وضعه في مواضعه التي وضعه الله فيها من حيث لفظه أو من حيث معناه قوله :﴿ يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ﴾ جملة حالية من ضمير يحرفون أو مستأنفة أو صفة لقوم أو خبر مبتدأ محذوف والإشارة بقولهم :﴿ هذا ﴾ إلى الكلام المحرف : أي إن أوتيتم من جهة محمد هذا الكلام الذي حرفناه فخذوه واعملوا به وإن لم تؤتوه بل جاءكم بغيره فاحذروا من قبوله والعمل به قوله :﴿ ومن يرد الله فتنته ﴾ أي ضلالته ﴿ فلن تملك له من الله شيئا ﴾ أي فلا تستطيع دفع ذلك عنه ولا تقدر على نفعه وهدايته وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وظاهرها العموم ويدخل فيها هؤلاء الذين سياق الكلام معهم دخولا أوليا والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى من تقدم ذكرهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ومن الذين هادوا وهو مبتدأ وخبره الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم : أي لم يرد تطهيرها من أرجاس الكفر والنفاق كما طهر قلوب المؤمنين ﴿ لهم في الدنيا خزي ﴾ بظهور نفاق المنافقين وبضرب الجزية على الكافرين وظهور تحريفهم وكتمهم لما أنزل الله في التوراة قوله :﴿ سماعون للكذب ﴾ كرره تأكيدا لقبحه وليكون كالمقدمة لما بعده وهو ﴿ أكالون للسحت ﴾ وهما من جملة أخبار ذلك المبتدأ المقدر سابقا والسحت بضم السين وسكون الحاء : المال الحرام وأصله الهلاك والشدة من سحته : إذا هلكه ومنه ﴿ فيسحتكم بعذاب ﴾ ومنه قول الفرزدق :
( وعض زمان يابن مروان لم يدع | من المال إلا مسحت أو محلق ) |
وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم واختلفوا في أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم فذهب قوم إلى التخيير وذهب آخرون إلى الوجوب وقالوا : إن هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ﴾ وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي : وهو الصحيح من قول الشافعي وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء قوله :﴿ وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ﴾ أي إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم فلا سبيل لهم عليك لأن الله حافظك وناصرك عليهم وإن اخترت الحكم بينهم ﴿ فاحكم بينهم بالقسط ﴾ أي بالعدل الذي أمرك الله به وأنزله عليك