١١ - ﴿ إلا الذين صبروا ﴾ فإن عادتهم الصبر عند نزول المحن والشكر عند حصول المنن قال الأخفش : هو استثناء ليس من الأول : أي ولكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة وقال الفراء : هو استثناء من لئن أذقناه : أي من الإنسان فإن الإنسان بمعنى الناس والناس يشمل الكافر والمؤمن فهو استثناء متصل والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الموصول باعتبار اتصافه بالصبر وعمل الصالحات ﴿ لهم مغفرة ﴾ لذنوبهم ﴿ وأجر ﴾ يؤجرون به لأعمالهم الحسنة ﴿ كبير ﴾ متناه في الكبر
ثم سلى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه و سلم فقال : ١٢ - ﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ أي فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب واقتراح الآيات التي يقترحونها عليك على حسب هواهم وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به كسب آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده قيل : وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام : أي هل أنت تارك ؟ وقيل : هو في معنى النفي مع الاستبعاد : أي لا يكون منك ذلك بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك أحبوا ذلك أم كرهوه شاءوا أم أبوا ﴿ وضائق به صدرك ﴾ معطوف على تارك والضمير في به راجع إلى ما أو إلى بعض وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم ﴿ أن يقولوا ﴾ أي كراهة أن يقولوا أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا :﴿ لولا أنزل عليه كنز ﴾ أي هلا أنزل عليه كنز : أي مال مكنوز مخزون ينتفع به ﴿ أو جاء معه ملك ﴾ يصدقه ويبين لنا صحة رسالته ثم بين سبحانه أن حاله صلى الله عليه و سلم مقصور على النذارة فقال :﴿ إنما أنت نذير ﴾ ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاب مقترحاتهم ﴿ والله على كل شيء وكيل ﴾ يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل
قوله : ١٣ - ﴿ أم يقولون افتراه ﴾ أم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة وأضرب عما تقدم من تهاونهم بالوحي وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشد من ذلك وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه والاستفهام للتوبيخ والتقريع والضمير المستتر في افتراه للنبي صلى الله عليه و سلم والبارز إلى ما يوحى ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ويبين كذبهم ويظهر به عجزهم فقال :﴿ قل فاتوا بعشر سور مثله ﴾ أي مماثلة له في البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ وفخامة المعاني ووصف السور بما يوصف به المفرد فقال مثلهن ولم يقل أمثاله لأن المراد مماثلة كل واحد من السور أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه ومداره المماثلة في شيء واحد وهو البلاغة البالغة إلى حد الإعجاز وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية والإفراد شرط ثم وصف السور بصفة أخرى فقال :﴿ مفتريات وادعوا ﴾ للاستظهار على المعارضة بالعشر السور ﴿ من استطعتم ﴾ دعاءه وقدرتم على الاستعانة به من هذا النوع الإنساني وممن تعبدونه وتجعلونه شريكا لله سبحانه وقوله :﴿ من دون الله ﴾ متعلق بادعوا : أي ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ فيما تزعمون من افترائي له


الصفحة التالية
Icon