ثم إن الله سبحانه توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها فقال : ١٥ - ﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ قال الفراء : إن كان هذه زائدة ولهذا جزم الجواب وقال الزجاج : من كان في موضع جزم بالشرط وجوابه نوف إليهم : أي من يكن يريد
واختلف أهل التفسير في هذه الآية فقال الضحاك : نزلت في الكفار واختاره النحاس بدليل الآية التي بعدها ﴿ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ﴾ وقيل : الآية واردة في الناس على العموم كافرهم ومسلمهم والمعنى : أن من كان يريد بعمله حظ الدنيا يكافأ بذلك والمراد بزينتها : ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وارتفاع الحظ ونفاذ القول ونحو ذلك وإدخال كان في الآية يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم لا يكادون يريدون الآخرة ولهذا قيل إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذبون في الآخرة لأنهم جردوا قصدهم إلى الدنيا ولم يعملوا للآخرة وظاهر قوله :﴿ نوف إليهم أعمالهم فيها ﴾ أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك فليس كل متمن ينال من الدنيا أمنيته وإن عمل لها وأرادها فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه قال القرطبي : ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة وكذلك الآية التي في الشورى ﴿ من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ﴾ وكذلك ﴿ ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ﴾ قيدتها وفسرتها التي في سبحان ﴿ من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ﴾ قوله :﴿ وهم فيها لا يبخسون ﴾ أي وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها : أي في الدنيا لا يبخسون : أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها وذلك في الغالب وليس بمطرد بل إن قضت به مشيئته سبحانه ورجحته حكمته البالغة وقال القاضي : معنى الآية : من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما ينالون من الصحة والكفاف وسائر اللذات والمنافع فخص الجزاء بمثل ما ذكره وهو حاصل لكل عامل للدنيا ولو كان قليلا يسيرا