قوله : ٢٢ - ﴿ لا جرم ﴾ قال الخليل وسيبويه : لا جرم بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة وبه قال الفراء وروي عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بد ولا محالة ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا وقال الزجاج : إن جرم بمعنى كسب : أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران وفاعل كسب مضمر وأن منصوبة برجم قال الأزهري : وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة وقال الكسائي : معنى لا جرم : لا صد ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون وقال جماعة من النحويين : إن معنى لا جرم ولا قطع قاطع ﴿ أنهم في الآخرة هم الأخسرون ﴾ قالوا : والجرم القطع وقد جرم النخل واجترمه : أي قطعه وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حد يتقاصر عنه غيرهم ولا يبلغ إليه وهذه الآيات مقررة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وبين من كان على بينة من ربه
٢٣ - ﴿ إن الذين آمنوا ﴾ أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من كون القرآن من عند الله وغير ذلك من خصال الإيمان ﴿ وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ﴾ أي أنابوا إليه وقيل خشعوا وقيل خضعوا قيل : وأصل الإخبات الاستواء في الخبث : وهو الأرض المستوية الواسعة فيناسب معنى الخشوع والاطمئنان قال الفراء : إلى ربهم ولربهم واحد ﴿ أولئك ﴾ الموصوفون بتلك الصفات الصالحة ﴿ أصحاب الجنة هم فيها خالدون ﴾
قوله : ٢٤ - ﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ﴾ ضرب للفريقين مثلا وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع على أن كل فريق شبه بشيئين أو شبه بمن جمع بين الشيئين فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم والمؤمن شبه بمن جمع بين السمع والبصر وعلى هذا تكون الواو في والأصم وفي والسميع لعطف الصفة على الصفة كما في قول الشاعر :
( إلى الملك القرم وابن الهمام )
والاستفهام في قوله :﴿ هل يستويان ﴾ للإنكار : يعني الفريقين وهذه الجملة مقررة لما تقدم من قوله :﴿ أفمن كان على بينة من ربه ﴾ وانتصاب مثلا على التمييز من فاعل يستويان : أي هل يستويان حالا وصفة ﴿ أفلا تذكرون ﴾ في عدم استوائهما وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذي يخفى على من له تذكر وعنده تفكر وتأمل والهمزة لإنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله :﴿ ومن أظلم ﴾ قال : الكافر والمنافق ﴿ أولئك يعرضون على ربهم ﴾ فيسألهم عن أعمالهم ﴿ ويقول الأشهاد ﴾ الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ﴿ هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ﴾ شهدوا به عليهم يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال : الأشهاد الملائكة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة نحوه وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :[ إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له : أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : رب أعرف حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله :﴿ الذين يصدون عن سبيل الله ﴾ قال : هو محمد يعني سبيل الله صدت قريش عنه الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله :﴿ ويبغونها عوجا ﴾ يعني يرجون بمكة غير الإسلام دينا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ﴾ الآية قال : أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال :﴿ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ﴾ وأما في الآخرة فإنه قال :﴿ فلا يستطيعون * خاشعة ﴾ وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله :﴿ ما كانوا يستطيعون السمع ﴾ قال : ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ أخبتوا ﴾ قال : خافوا وأخرج ابن جرير عنه قال : الإخبات الإنابة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ قال : الإخبات : الخشوع والتواضع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال : اطمأنوا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله :﴿ مثل الفريقين كالأعمى والأصم ﴾ قال : الكافر :﴿ والبصير والسميع ﴾ قال : المؤمن


الصفحة التالية
Icon