ثم لما علم نوح بأن سؤاله لم يطابق الواقع وأن دعاءه ناشئ عن وهم كان يتوهمه بادر إلى الاعتراف بالخطأ وطلب والمغفرة والرحمة فـ ٤٧ - ﴿ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ﴾ أي أعوذ بك أن أطلب منك ما لا علم لي بصحته وجوازه ﴿ وإلا تغفر لي ﴾ ذنب ما دعوت به على غير علم مني ﴿ وترحمني ﴾ برحمتك التي وسعت كل شيء فتقبل توبتي ﴿ أكن من الخاسرين ﴾ في أعمالي فلا أربح فيها
القائل هو الله أو الملائكة ٤٨ - ﴿ قيل يا نوح اهبط ﴾ أي انزل من السفينة إلى الأرض أو من الجبل إلى المنخفض من الأرض فقد بلعت الأرض ماءها وجفت ﴿ بسلام منا ﴾ أي بسلامة وأمن وقيل : بتحية ﴿ وبركات ﴾ أي نعم ثابتة مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته ومنه البركة لثبوت الماء فيها وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته ومغفرة زلته ﴿ وعلى أمم ممن معك ﴾ أي ناشئة ممن معك وهم المتشعبون من ذرية من كان معه في السفينة وقيل : أراد من في السفينة فإنهم أمم مختلفة وأنواع من الحيوانات متباينة قيل : أراد الله سبحانه بهؤلاء الأمم الذين كانوا معه من صار مؤمنا من ذريتهم وأراد بقوله :﴿ وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾ من صار كافرا من ذريتهم إلى يوم القيامة وارتفاع أمم في قوله :﴿ وأمم سنمتعهم ﴾ على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي ومنهم أمم وقيل على تقدير : ويكون أمم وقال الأخفش : هو كما تقول : كلمت زيدا وعمرو جالس وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما سنمتعهم : أي ونمتع أمما ومعنى الآية : وأمم سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ونعطيهم منها ما يعيشون به ثم يمسهم منا في الآخرة عذاب أليم وقيل : يمسهم إما في الدنيا أو في الآخرة
والإشارة بقوله : ٤٩ - ﴿ تلك ﴾ إلى قصة نوح وهي مبتدأ والجمل بعده أخبار ﴿ من أنباء الغيب ﴾ من جنس أنباء الغيب والأنباء جمع نبأ وهو الخبر : أي من أخبار الغيب التي مرت بك في هذه السورة والضمير في ﴿ نوحيها إليك ﴾ راجع إلى القصة والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ﴿ ما كنت ﴾ يا محمد ﴿ تعلمها أنت ولا ﴾ يعلمها ﴿ قومك ﴾ بل هي مجهولة عندكم من قبل الوحي أو من قبل هذا الوقت ﴿ فاصبر ﴾ على ما تلاقيه من كفار زمانك والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها ﴿ إن العاقبة ﴾ المحمودة في الدنيا والآخرة ﴿ للمتقين ﴾ لله المؤمنين بما جاءت به رسله وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم وبشير له بأن الظفر للمتقين في عاقبة الأمر ولا اعتبار بمباديه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال : نادى نوح ربه فقال : رب إن ابني من أهلي وإنك قد وعدتني أن تنجي لي أهلي وإن ابني من أهلي وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن عباس قال : ما بغت امرأة نبي قط وقوله :﴿ إنه ليس من أهلك ﴾ يقول : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال : إن نساء الأنبياء لا يزنين وكان يقرؤها ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ يقول : مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :﴿ فلا تسألن ما ليس لك به علم ﴾ قال : بين الله لنوح أنه ليس بابنه وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد في قوله :﴿ يا نوح اهبط بسلام منا ﴾ قال : أهبطوا والله عنهم راض وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال : دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ودخل في ذلك العذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن الضحاك ﴿ وعلى أمم ممن معك ﴾ يعني ممن لم يولد أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ﴿ وأمم سنمتعهم ﴾ يعني متاع الحياة الدنيا ﴿ ثم يمسهم منا عذاب أليم ﴾ لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة وأخرج أبو الشيخ قال : ثم رجع إلى محمد صلى الله عليه و سلم فقال :﴿ تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك ﴾ يعني العرب ﴿ من قبل هذا ﴾ القرآن