٥٤ - ﴿ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴾ أي ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التي تعيبها وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا وتكرره علينا من التنفير عنها يقال : عراه الأمر واعتراه : إذا ألم به فأجابهم بما يدل على عدم مبالاته بهم وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به بل الله سبحانه هو الضار النافع فـ ﴿ قال إني أشهد الله واشهدوا ﴾ أنتم ﴿ أني بريء مما تشركون ﴾ به
٥٥ - ﴿ من دونه ﴾ أي من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطانا ﴿ فكيدوني جميعا ﴾ أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي وأنها اعترتني بسوء ﴿ ثم لا تنظرون ﴾ أي لا تمهلوني بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصك مسامعهم ويوضح عجزهم وعدم قدرتهم على شيء
٥٦ - ﴿ إني توكلت على الله ربي وربكم ﴾ فهو يعصمني من كيدكم وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ فمن توكل على الله كفاه ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم وأنه مالك للجميع وأن ناصية كل دابة من دواب الأرض بيده وفي قبضته وتحت قهره وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته فجعلوا ذلك علامة لقهره قال الفراء : معنى آخذ بناصيتها مالكها والقادر عليها وقال القتيبي : قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته والناصية قصاص الشعر من مقدم الرأس ثم علل ما تقدم بقوله :﴿ إن ربي على صراط مستقيم ﴾ أي هو على الحق والعدل فلا يكاد يسلطكم علي
٥٧ - ﴿ فإن تولوا ﴾ أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين والمعنى فإن تستمروا على الإعراض عن الإجابة والتصميم على ما أنتمن عليه من الكفر ﴿ فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ﴾ ليس علي إلا ذلك وقد لزمتكم الحجة ﴿ ويستخلف ربي قوما غيركم ﴾ جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك : أي يستخلف في دياركم وأموالكم قوما آخرين ويجوز أن يكون عطفا على فقد أبلغتكم وروى حفص عن عاصم أنه قرأ ويستخلف بالجزم حملا على موضع فقد أبلغتكم ﴿ ولا تضرونه شيئا ﴾ أي بتوليكم ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير ﴿ إن ربي على كل شيء حفيظ ﴾ أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء قيل : وعلى بمعنى اللام فيكون المعنى : لكل شيء حفيظ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء
٥٨ - ﴿ ولما جاء أمرنا ﴾ أي عذابنا الذي هو إهلاك عاد ﴿ نجينا هودا والذين آمنوا معه ﴾ من قومه ﴿ برحمة منا ﴾ أي برحمة عظيمة كائنة منا لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله وقيل هي الإيمان ﴿ من عذاب غليظ ﴾ أي شديد وقيل وهو السموم التي كانت تدخل أنوفهم


الصفحة التالية
Icon