وجملة ٩٢ - ﴿ قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ﴾ مستأنفة وإنما قال أعز عليكم من الله ولم يقل أعز عليكم مني لأن نفي العزة عنه وإثباتها لقومه كما يدل عليه إيلاء الضمير حرف النفي استهانة به والاستهانة بأنبياء الله استهانة بالله عز و جل فقد تضمن كلامهم أن رهطه أعز عليهم من الله فاستنكر ذلك عليهم وتعجب منه وألزمهم ما لا مخلص لهم عنه ولا مخرج لهم منه بصورة الاستفهام وفي هذا من قوة المحاجة ووضوح المجادلة وإلقام الخصم الحجر ما لا يخفى ولأمر ما سمي شعيب خطيب الأنبياء والضمير في ﴿ واتخذتموه ﴾ راجع إلى الله سبحانه والمعنى : واتخذتم الله عز و جل بسبب عدم اعتدادكم بنبيه الذي أرسله إليكم ﴿ وراءكم ظهريا ﴾ أي منبوذا وراء الظهر لا تبالون به وقيل المعنى : واتخذتم أمر الله الذي أمرني بإبلاغه إليكم وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم يقال : جعلت أمره بظهر : إذا قصرت فيه و ﴿ ظهريا ﴾ منسوب إلى الظهر والكسر لتغيير النسب ﴿ إن ربي بما تعملون محيط ﴾ لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم
٩٣ - ﴿ ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون ﴾ لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم وعدم تأثير الموعظة فيهم توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم يقال : مكن مكانة : إذا تمكن أبلغ تمكن وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدر الله له ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله :﴿ سوف تعلمون ﴾ أي عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده وقد تقدم مثله في الأنعام ﴿ من يأتيه عذاب يخزيه ﴾ من في محل نصب بتعلمون : أي سوف تعلمون من هو الذي يأتيه العذاب المخزي الذي يتأثر عنه الذل والفضيحة والعار ﴿ ومن هو كاذب ﴾ معطوف على من يأتيه والمعنى : ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب ؟ وفيه تعريض بكذبهم في قولهم : لولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز وقيل : إن من مبتدأ وما بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير : من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره قال الفراء : إنما جاء بهو في من هو كاذب لأنهم لا يقولون من قائم : إنما يقولون من قام ومن يقوم ومن القائم فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل قال النحاس : ويدل على خلاف هذا القول الشاعر :
( من رسولي إلى الثريا فإني | ضقت ذرعا بهجرها والكتاب ) |