الهمزة في قوله : ١٩ - ﴿ أفمن يعلم ﴾ للإنكار على من يتوهم المماثلة بين من يعلم إنما أنزله الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه و سلم من الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة وهو القرآن وبين من هو أعمى لا يعلم ذلك فإن الحال بينهما متباعد جدا كالتباعد الذي بين الماء والزبد وبين الخبث والخالص من تلك الأجسام ثم بين سبحانه أنه إنما يقف على تفاوت المنزلتين وتباين الرتبتين أهل العقول الصحيحة فقال :﴿ إنما يتذكر أولو الألباب ﴾
ثم وصفهم بهذه الأوصاف المادحة فقال : ٢٠ - ﴿ الذين يوفون بعهد الله ﴾ أي بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم أو فيما بينهم وبين العباد ﴿ ولا ينقضون الميثاق ﴾ الذي وثقوه على أنفسهم وأكدوه بالإيمان ونحوها وهذا تعميم بعد التخصيص لأنه يدخل تحت الميثاق كل ما أوجبه العبد على نفسه كالنذور ونحوها ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه ويراد بالميثاق ما أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذر المذكور في قوله سبحانه :﴿ وإذ أخذ ربك من بني آدم ﴾ الآية
٢١ - ﴿ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ ظاهره شمول كل ما أمر الله بصلته ونهى عن قطعه من حقوق الله وحقوق عباده ويدخل تحت ذلك صلة الأرحام دخولا أوليا وقد قصره كثير من المفسرين على صلة الرحم واللفظ أوسع من ذلك ﴿ ويخشون ربهم ﴾ خشية تحملهم على فعل ما وجب واجتناب ما لا يحل ﴿ ويخافون سوء الحساب ﴾ وهو الاستقصاء فيه والمناقشة للعبد فمن نوقش الحساب عذب ومن حق هذه الخيفة أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا
٢٢ - ﴿ والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ﴾ قيل هو كلام مستأنف وقيل معطوف على ما قبله والتعبير عنه بلفظ المضي للتنبيه على أنه ينبغي تحققه والمراد بالصبر الصبر على الإتيان بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وقيل على الرزايا والمصائب ومعنى كون ذلك الصبر لابتغاء وجه الله : أن يكون خالصا له لا شائبة فيه لغيره ﴿ وأقاموا الصلاة ﴾ أي فعلوها في أوقاتها على ما شرعه الله سبحانه في أذكارها وأركانها مع الخشوع والإخلاص والمراد بها الصلوات المفروضة وقيل أعم من ذلك ﴿ وأنفقوا مما رزقناهم ﴾ أي أنفقوا بعض ما رزقناهم والمراد بالسر : صدقة النفل والعلانية : صدقة الفرض وقيل السر لمن لم يعرف بالمال أو لا يتهم بترك الزكاة والعلانية لمن كان يعرف بالمال أويتهم بترك الزكاة ﴿ ويدرؤون بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بالإحسان إليه كما في قوله تعالى :﴿ ادفع بالتي هي أحسن ﴾ أو يدفعون بالعمل الصالح العمل السيء أو يدفعون الشر بالخير أو المنكر بالمعروف أو الظلم بالعفو أو الذنب بالتوبة ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور والإشارة بقوله :﴿ أولئك ﴾ إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة ﴿ لهم عقبى الدار ﴾ العقبى مصدر كالعاقبة والمراد بالدار الدنيا وعقباها الجنة وقيل المراد بالدار : الدار الآخرة وعقباها الجنة للمطيعين والنار للعصاة


الصفحة التالية
Icon