٢٣ - ﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ بدل من عقبى الدار أي لهم جنات عدن ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره يدخلونها والعدن أصله الإقامة ثم صار علما لجنة من الجنان قال القشيري : وجنات عدن : وسط الجنة وقصبتها وسقفها عرش الرحمن ولكن في صحيح البخاري وغيره [ إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ] ﴿ ومن صلح من آبائهم ﴾ يشمل الآباء والأمهات ﴿ وأزواجهم وذرياتهم ﴾ معطوف على الضمير في يدخلون وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه : أي ويدخلها أزواجهم وذرياتهم وذكر الصلاح دليل على أنه لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من قرابات أولئك ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح ﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ﴾ أي من جميع أبواب المنازل التي يسكنونها أو المراد من كل باب من أبواب التحف والهدايا من الله سبحانه
٢٤ - ﴿ سلام عليكم ﴾ أي قائلين سلام عليكم : أي سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة ﴿ بما صبرتم ﴾ أي بسبب صبركم وهو متعلق بالسلام : أي إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم أو متعلق بعليكم أو بمحذوف : أي هذه الكرامة بسبب صبركم أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ﴿ فنعم عقبى الدار ﴾ جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق
ثم اتبع أحوال السعداء بأحوال الأشقياء فقال : ٢٥ - ﴿ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ وقد مر تفسير عدم النقض وعدم القطع فعرف منهما تفسير النقض والقطع ولم يتعرض لنفي الخشية والخوف عنهم وما بعدهما من الأوصاف المتقدمة لدخولها في النقض والقطع ﴿ ويفسدون في الأرض ﴾ بالكفر وارتكاب المعاصي والأضرار بالأنفس والأموال ﴿ أولئك ﴾ الموصوفون بهذه الصفات الذميمة ﴿ لهم ﴾ بسبب ذلك ﴿ اللعنة ﴾ : أي الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه ﴿ ولهم سوء الدار ﴾ أي سوء عاقبة دار الدنيا وهي النار أو عذاب النار
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله تعالى :﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ﴾ قال : هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه ﴿ كمن هو أعمى ﴾ قال : عن الحق فلا يبصره ولا يعقله ﴿ إنما يتذكر أولو الألباب ﴾ فبين من هم ؟ فقال :﴿ الذين يوفون بعهد الله ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أولوا الألباب قال : من كان له لب : أي عقل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أن الله ذكر الوفاء بالعهد والميثاق في بضع وعشرين آية من القرآن وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ] ثم تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم :﴿ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله :﴿ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ﴾ يعني من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها ﴿ ويخشون ربهم ﴾ يعني يخافون من قطيعة ما أمر الله به أن يوصل ﴿ ويخافون سوء الحساب ﴾ يعني شدة الحساب
وقد ورد في صلة الرحم وتحريم قطعها أحاديث كثيرة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ﴿ ويدرؤون بالحسنة السيئة ﴾ قال : يدفعون بالحسنة السيئة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله :﴿ جنات عدن ﴾ قال : بطنان الجنة يعني وسطها وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان ] وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ﴿ ومن صلح من آبائهم ﴾ قال : من آمن في الدنيا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله :﴿ سلام عليكم بما صبرتم ﴾ قال : على دينكم ﴿ فنعم عقبى الدار ﴾ قال : نعم ما أعقبكم الله من الدنيا في الجنة وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله لمن يشاء من ملائكته : ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة : ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم ؟ قال الله : إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب ﴿ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ ] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة [ إن المؤمن ليكون متكئا على أريكة إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك فيستأذن فيقول أقصى الخدم للذي يليه : ملك يستأذن ويقول الذي يليه : ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربهم إلى المؤمن : ائذنوا له ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل ويسلم عليه ثم ينصرف ] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ﴿ ولهم سوء الدار ﴾ قال : سوء العاقبة


الصفحة التالية
Icon