٣٢ - ﴿ ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ﴾ التنكير في رسل للتكثير : أي برسل كثيرة والإملاء : الإمهال وقد مر تحقيقه في الأعراف ﴿ ثم أخذتهم ﴾ بالعذاب الذي أنزلته بهم ﴿ فكيف كان عقاب ﴾ الاستفهام للتقريع والتهديد : أي فكيف كان عقابي لهؤلاء الكفار الذين استهزأوا بالرسل فأمليت لهم ثم أخذتهم
ثم استفهم سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريع يجري مجرى الحجاج للكفار واستركاك صنعهم والإزراء عليهم فقال ٣٣ - ﴿ أفمن هو قائم على كل نفس ﴾ القائم الحفيظ والمتولي للأمور وأراد سبحانه نفسه فإنه المتولي لأمور خلقه المدبر لأحوالهم بالآجال والأرزاق وإحصاء الأعمال على كل نفس من الأنفس كائنة ما كانت والجواب محذوف : أي أفمن هو بهذه الصفة كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التي لا تنفع ولا تضر قال الفراء : كأنه في المعنى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم من دون الله والمراد من الآية إنكار المماثلة بينهما وقيل المراد بمن هو قائم على كل نفس : الملائكة الموكلون ببني آدم والأول أولى وجملة ﴿ وجعلوا لله شركاء ﴾ معطوفة على الجواب المقدر مبينة له أو حالية بتقدير قد : أي وقد جعلوا أو معطوفة على ﴿ ولقد استهزئ ﴾ أي استهزأوا وجعلوا ﴿ قل سموهم ﴾ أي قل يا محمد جعلتم له شركاء فسموهم من هم ؟ وفي هذا تبكيت لهم وتوبيخ لأنه إنما يقال هكذا في الشيء المستحقر الذي لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال : سمه إن شئت : يعني أنه أحقر من أن يسمى وقيل إن المعنى سموهم بالآلهة كما تزعمون فيكون ذلك تهديدا لهم ﴿ أم تنبئونه ﴾ أي بل أتنبئون الله ﴿ بما لا يعلم في الأرض ﴾ من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما في السموات والأرض ﴿ أم بظاهر من القول ﴾ أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن تكون له حقيقة وقيل المعنى : قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه ؟ فإن قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاءوا بدعوى باطلة وإن قالوا بظاهر يعلمه فقل لهم سموهم فإذا سموا اللات والعزى ونحوهما فقل لهم إن الله لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعوا له شريكا في الأرض وقيل معنى ﴿ أم بظاهر من القول ﴾ أم بزائل من القول باطل ومنه قول الشاعر :
( أعيرتنا ألبانها ولحومها | وذلك عار يا بن ريطة ظاهر ) |