ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظا عليها غير مهمل لشيء منها ثم قال : ٤٠ - ﴿ ومن ذريتي ﴾ أي بعض ذريتي : أي اجعلني واجعل بعض ذريتي مقيمين للصلاة وإنما خص البعض من ذريته لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغي قال الزجاج : أي اجعل من ذريتي من يقيم الصلاة ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم ويدخل في ذلك دعاؤه في هذا المقام دخولا أوليا قيل والمراد بالدعاء هنا العبادة فيكون المعنى : وتقبل عبادتي التي أعبدك بها
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه مما يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيرا لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه وقد قيل إنه دعا لهما بالمغفرة قبل أن يعلم أنهما عدوان لله سبحانه كما في قوله سبحانه :﴿ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ﴾ وقيل كانت أمه مسلمة وقيل أراد بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير ﴿ ولوالدي ﴾ بالتوحيد على إرادة الأب وحده وقرأ إبراهيم النخعي ولولدي يعني إسماعيل وإسحاق وكذا قرأ يحيى بن يعمر ثم استغفر للمؤمنين وظاهره شمول كل مؤمن سواء كان من ذريته أو لم يكن منهم وقيل أراد المؤمنين من ذريته فقط ٤١ - ﴿ يوم يقوم الحساب ﴾ أي يوم يثبت حساب المكلفين في المحشر استعير له لفظ يقوم الذي هو حقيقته في قيام الرجل للدلالة على أنه في غاية الاستقامة وقيل إن المعنى يوم يقوم الناس للحساب والأول أولى
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :﴿ وإذ قال إبراهيم ﴾ الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله إماما وجعل من ذريته من يقيم الصلاة وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه فقرأ من سورة إبراهيم ﴿ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ﴾ إلى آخر السورة فرق القوم واخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه وأخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال : كانت سارة تحت إبراهيم فمكثت تحته دهرا لا ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف فقال لها إبراهيم : هل لك أن تبري يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنيها واخفضيها والخفض : هو الختان
ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر في أذنيها قرطين فازدادت بهما حسنا فقالت سارة : أراني إنما زدتها جمالا فلم تقاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إني أسكنت من ذريتي ﴾ قال : أسكن إسماعيل وأمه مكة وأخرج ابن المنذر عنه قال : إن إبراهيم حين قال ﴿ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ﴾ لو قال أفئدة الناس تهوي إليهم لازدحمت عليه فارس والروم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم قال : سألت عكرمة وطاوسا وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية ﴿ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ﴾ فقالوا البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه وفي لفظ قالوا هواهم إلى مكة أن يحجوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ تهوي إليهم ﴾ قال : تنزع إليهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي أن إبراهيم لما دعا للحرم ﴿ وارزق أهله من الثمرات ﴾ نقل الله الطائف من فلسطين وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال : إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس قالوا : لو كان إبراهيم عليه السلام قال فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحج اليهود والنصارى والناس كلهم ولكنه قال أفئدة من الناس فخص به المؤمنين وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ ما نخفي وما نعلن ﴾ قال : من الحزن وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله :﴿ ربنا إنك تعلم ما نخفي ﴾ قال : من حب إسماعيل وأمه ﴿ وما نعلن ﴾ قال : ما نظهر لسارة من الجفاء لهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾ قال : هذا بعد ذلك بحين وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال : بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة


الصفحة التالية
Icon