٢٧ - ﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ﴾ الجان أبو الجن عند جمهور المفسرين وقال عطاء والحسن وقتادة ومقاتل : هو إبليس وسمي جانا لتواريه عن الأعين يقال : جن الشيء إذا ستره فالجان يستر نفسه عن أعين بني آدم ومعنى من قبل : من قبل خلق آدم والسموم : الريح الحادة النافذة في المسام تكون بالنهار وقد تكون بالليل كذا قال أبو عبيدة وذكر خلق الإنسان والجان في هذا الموضع للدلالة على كمال القدرة الإلهية وبيان أن القادر على النشأة الأولى قادر على النشأة الأخرى
٢٨ - ﴿ وإذ قال ربك للملائكة ﴾ الظرف منصوب بفعل مقدر : أي اذكر بين سبحانه بعد ذكره لخلق الإنسان ما وقع عند خلقه له وقد تقدم تفسير ذلك في البقرة والبشر مأخوذ من البشرة وهي ظاهر الجلد وقد تقدم تفسير الصلصال والحمأ المسنون قريبا مستوفى
٢٩ - ﴿ فإذا سويته ﴾ أي سويت خلقه وعدلت صورته الإنسانية وكملت أجزاءه ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ النفخ : إجراء الريح في تجاويف جسم آخر فمن قال إن الروح جسم لطيف كالهواء فمعناه ظاهر ومن قال : إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال في متحيز فمعنى النفخ عنده تهيئة البدن لتعلق النفس الناطقة به قال النيسابوري : ولا خلاف في أن الإضافة في روحي للتشريف والتكريم مثل ناقة الله وبيت الله قال القرطبي : والروح : جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم وحقيقته إضافة خلق إلى خالق فالروح خلق من خلقه أضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما قال : ومثله ﴿ وروح منه ﴾ وقد تقدم في النساء ﴿ فقعوا له ساجدين ﴾ الفاء تدل على أن سجودهم واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير تراخ وهو أمر بالوقوع من وقع يقع وفيه دليل على أن المأمور به هو السجود لا مجرد الانحناء كما قيل وهذا السجود هو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء وقيل كان السجود لله تعالى وكان آدم قبلة لهم
٣٠ - ﴿ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ﴾ أخبر سبحانه بأن الملائكة سجدوا جميعا عند أمر الله سبحانه لهم بذلك من غير تراخ قال المبرد : قوله كلهم أزال احتمال أن بعض الملائكة لم يسجد وقوله أجمعون توكيد بعد توكيد ورجح هذا الزجاج قال النيسابوري : وذلك لأن أجمع معرفة فلا يقع حالا ولو صح أن يكون حالا لكان منتصبا