ثم استثنى إبليس من الملائكة فقال : ٣١ - ﴿ إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ﴾ قيل هذا الاستثناء متصل لكونه كان من جنس الملائكة ولكنه أبى ذلك استكبارا واستعظاما لنفسه وحسدا لآدم فحقت عليه كلمة الله وقيل إنه لم يكن من الملائكة ولكنه كان معهم فغلب اسم الملائكة عليه وأمر بما أمروا به فكان الاستثناء بهذا الاعتبار متصلا وقيل إن الاستثناء منفصل بناء على عدم كونه منهم وعدم تغليبهم عليه : أي ولكن إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة وجملة ﴿ أبى أن يكون مع الساجدين ﴾ استئناف مبين لكيفية ما فيه من الاستثناء من عدم السجود لأن عدم السجود قد يكون مع التردد فبين سبحانه أنه كان على وجه الإباء
وجلمة ٣٢ - ﴿ قال يا إبليس ما لك أن لا تكون مع الساجدين ﴾ مستأنفة أيضا جواب سؤال مقدر كأنه قيل : فماذا قال الله سبحانه لإبليس بعد أن أبى السجود ؟ وهذا الخطاب له ليس للتشريف والتكريم بل للتقريع والتوبيخ والمعنى : أي غرض لك في الامتناع وأي سبب حملك عليه على أن لا تكون مع الساجدين لآدم مع الملائكة وهم في الشرف وعلو المنزلة والقرب من الله بالمنزلة التي قد علمتها
وجملة ٣٣ - ﴿ قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ﴾ مستأنفة كالتي قبلها جعل العلة لترك سجوده كون آدم بشرا مخلوقا من صلصال من حمأ مسنون زعما منه أنه مخلوق من عنصر أشرف من عنصر آدم وفيه إشارة إجمالية في كونه خيرا منه وقد صرح بذلك في موضع آخر فقال :﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾ وقال في موضع آخر ﴿ أأسجد لمن خلقت طينا ﴾ واللام في لأسجد لتأكيد النفي : أي لا يصح ذلك مني
فأجاب الله سبحانه عليه بقوله : ٣٤ - ﴿ قال فاخرج منها فإنك رجيم ﴾ والضمير في منها قيل عائد إلى الجنة وقيل إلى السماء وقيل إلى زمرة الملائكة : أي فاخرج من زمرة الملائكة فإنك رجيم أي مرجوم بالشهب وقيل معنى رجيم ملعون : أي مطرود لأن من يطرد يرجم بالحجارة
﴿ وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ﴾ أي عليك الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه مستمرا عليك لازما لك إلى يوم الجزاء وهو يوم القيامة وجعل يوم الدين غاية للعنة لا يستلزم انقطاعها في ذلك الوقت لأن المراد دوامها من غير انقطاع وذكر يوم الدين للمبالغة كما في قوله تعالى :﴿ ما دامت السموات والأرض ﴾ أو أن المراد أنه في يوم الدين وما بعده يعذب بما هو أشد من اللعن من أنواع العذاب فكأنه لا يجد له ما كان يجده قبل أن يمسه العذاب
٣٦ - ﴿ قال رب فأنظرني ﴾ أي أخرني وأمهلني ولا تمتني إلى يوم يبعثون : أي آدم وذريته طلب أن يبقى حيا إلى هذا اليوم لما سمع ذلك علم أن الله قد أخر عذابه إلى الدار الآخرة وكأنه طلب أن لا يموت أبدا لأنه إذا أخر موته إلى ذلك اليوم فهو يوم لا موت فيه وقيل إنه لم يطلب أن لا يموت بل طلب أن يؤخر عذابه إلى يوم القيامة ولا يعذب في الدنيا