ثم إنه سبحانه لما أمر رسوله بأن يخبر عباده بهذه البشارة العظيمة أمره بأن يذكر لهم شيئا مما يتضمن التخويف والتحذير حتى يجتمع الرجاء والخوف ويتقابل التبشير والتحذير ليكونوا راجين خائفين فقال : ٥٠ - ﴿ وأن عذابي هو العذاب الأليم ﴾ أي الكثير الإيلام وعند أن جمع الله لعباده بين هذين الأمرين من التبشير والتحذير صاروا في حالة وسطا بين اليأس والرجاء وخير الأمور أوساطها وهي القيام على قدمي الرجاء والخوف وبين حالتي الأنس والهيبة
وجملة ٥١ - ﴿ ونبئهم عن ضيف إبراهيم ﴾ معطوفة على جملة نبئ عبادي : أي أخبرهم بما جرى على إبراهيم من الأمر الذي اجتمع فيه له الرجاء والخوف والتبشير الذي خالطه نوع من الوجل ليعتبروا بذلك ويعلموا أنها سنة الله سبحانه في عباده وأيضا لما اشتملت القصة على إنجاء المؤمنين وإهلاك الظالمين كان في ذلك تقريرا لكونه الغفور الرحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم وقد مر تفسير هذه القصة في سورة هود
وانتصاب ٥٢ - ﴿ إذ دخلوا عليه ﴾ بفعل مضمر معطوف على ﴿ نبئ عبادي ﴾ أي واذكر لهم دخولهم عليه أو في محل نصب على الحال والضيف في الأصل مصدر ولذلك وحد وإن كانوا جماعة وسمي ضيفا لإضافته إلى المضيف ﴿ فقالوا سلاما ﴾ أي سلمنا سلاما ﴿ قال إنا منكم وجلون ﴾ أي فزعون خائفون وإنما قال هذا بعد أن قرب إليهم العجل فرآهم لا يأكلون منه كما تقدم في سورة هود ﴿ فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ﴾ وقيل أنكر السلام منهم لأنه لم يكن في بلادهم وقيل أنكر دخولهم عليه بغير استئذان
٥٣ - ﴿ قالوا لا توجل ﴾ أي قالت الملائكة لا تخف وقرئ لا تاجل ولا توجل من أوجله : أي أخافه وجملة ﴿ إنا نبشرك بغلام عليم ﴾ مستأنفة لتعليل النهي عن الوجل والعليم : كثير العلم وقيل هو الحليم كما وقع في موضع آخر من القرآن وهذا الغلام : هو إسحاق كما تقدم في هود ولم يسمه هنا ولا ذكر التبشير بيعقوب اكتفاء بما سلف
٥٤ - ﴿ قال أبشرتموني ﴾ قرأ الجمهور بألف الاستفهام وقرأ الأعمش ﴿ بشرتموني ﴾ بغير الألف ﴿ على أن مسني الكبر ﴾ في محل نصب على الحال : أي مع حالة الكبر والهرم ﴿ فبم تبشرون ﴾ استفهام تعجب كأنه عجب من حصول الولد له مع ما قد صار إليه من الهرم الذي جرت العادة بأنه لا يولد لمن بلغ إليه والمعنى : فبأي شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يكون عادة لا تصح وقرأ نافع تبشرون بكسر النون والتخفيف وإبقاء الكسرة لتدل على الياء المحذوفة وقرأ ابن كثير وابن محيصن بكسر النون مشددة على إدغام النون في النون وأصله تبشرونني وقرأ الباقون تبشرون بفتح النون