٢٤ - ﴿ وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ﴾ أي وإذا قال لهؤلاء الكفار المنكرين المستكبرين قائل ماذا أنزل ربكم ؟ أي أي شيء أنزل ربكم ؟ أو ماذا الذي أنزل ؟ قيل القائل النضر بن الحارث والآية نزلت فيه فيكون هذا القول منه على طريق التهكم وقيل القائل هو من يفد عليهم وقيل القائل المسلمون فأجاب المشركون المنكرون المستكبرون فـ ﴿ قالوا أساطير الأولين ﴾ بالرفع : أي ما تدعون أيها المسلمون نزوله أساطير الأولين أو أن المشركين أرادوا السخرية بالمسلمين فقالوا المنزل عليكم أساطير الأولين وعلى هذا فلا يرد ما قيل من أن هذا لا يصلح أن يكون جوابا من المشركين وإلا لكان المعنى الذي أنزله ربنا أساطير الأولين والكفار لا يقرون بالإنزال ووجه عدم وروده هو ما ذكرناه وقيل هو كلام مستأنف : أي ليس ما تدعون إنزاله أيها المسلمون منزلا بل هو أساطير الأولين وقد جوز على مقتضى علم النحو نصب أساطير وإن لم تقع القراءة به ولا بد في النصب من التأويل الذي ذكرنا : أي أنزل على دعواكم أساطير الأولين أو يقولون ذلك من أنفسهم على طريق السخرية والأساطير : الأباطيل والترهات التي يتحدث الناس بها عن القرون الأولى وليس من كلام الله في شيء ولا مما أنزله الله أصلا في زعمهم
٢٥ - ﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة ﴾ أي قالوا هذه المقالة لكي يحملوا أوزارهم كاملة لم يكفر منها شيء لعدم إسلامهم الذي هو سبب لتكفير الذنوب وقيل إن اللام هي لام العاقبة لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لأجل يحملون الأوزار ولكن لما كان عاقبتهم ذلك حسن التعليل به كقوله :﴿ ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ وقيل هي لام الأمر ﴿ ومن أوزار الذين يضلونهم ﴾ أي ويحملون بعض أوزار الذين أضلوهم لأن من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها وقيل من للجنس لا للتبعيض : أي يحملون كل أوزار الذين يضلونهم ومحل ﴿ بغير علم ﴾ النصب على الحال من فاعل ﴿ يضلونهم ﴾ أي يضلون الناس جاهلين غير عالمين بما يدعونهم إليه ولا عارفين بما يلزمهم من الآثام وقيل إنه حال من المفعول : أي يضلون من لا علم له ومثل هذه الآية ﴿ وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ﴾ وقد تقدم في الأنعام الكلام على قوله :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ﴿ ألا ساء ما يزرون ﴾ أي بئس شيئا يزرونه ذلك
ثم حكى سبحانه حال أضرابهم من المتقدمين فقال : ٢٦ - ﴿ قد مكر الذين من قبلهم ﴾ ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان حيث بنى بناء عظيما ببابل ورام الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها فأهب الله الريح فخر ذلك البناء عليه وعلى قومه فهلكوا والأولى أن الآية عامة في جميع المبطلين من المتقدمين الذين يحاولون إلحاق الضر بالمحقين ومعنى المكر هنا الكيد والتدبير الذي لا يطابق الحق وفي هذا وعيد للكفار المعاصرين له صلى الله عليه و سلم بأن مكرهم سيعود عليهم كما عاد مكر من قبلهم على أنفسهم ﴿ فأتى الله بنيانهم ﴾ أي أتى أمر الله وهو الريح التي أخربت بنيانهم قال المفسرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر وخر عليهم الباقي ﴿ من القواعد ﴾ قال الزجاج : من الأساطين والمعنى : أنه أتاها أمر الله من جهة قواعدها فزعزعها ﴿ فخر عليهم السقف من فوقهم ﴾ قرأ ابن هريرة وابن محيصن ﴿ السقف ﴾ بفتح السين وسكون القاف والمعنى : أنه سقط عليهم السقف لأنه بعد سقوط قواعد البناء يسقط جميع ما هو معتمد عليها قال ابن الأعرابي وإنما قال ﴿ من فوقهم ﴾ ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته والعرب تقول خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه فجاء بقوله :﴿ من فوقهم ﴾ ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب فقال :﴿ من فوقهم ﴾ أي عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا وقيل إن المراد بالسقف السماء : أي أتاهم العذاب من السماء التي فوقهم وقيل إن هذه الآية تمثيل لهلاكهم والمعنى : أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه عليه
وقد اختلف في هؤلاء الذين خر عليهم السقف فقيل هو نمروذ كما تقدم وقيل إنه بختنصر وأصحابه وقيل هم المقسمون الذين تقدم ذكرهم في سورة الحجر ﴿ وأتاهم العذاب ﴾ أي الهلاك ﴿ من حيث لا يشعرون ﴾ به بل من حيث أنهم في أمان