٢٩ - ﴿ فادخلوا أبواب جهنم ﴾ أي يقال لهم ذلك عند الموت وقد تقدم ذكر أبواب جهنم وأن جهنم درجات بعضها فوق بعض و ﴿ خالدين فيها ﴾ حال مقدرة لأن خلودهم مستقبل ﴿ فلبئس مثوى المتكبرين ﴾ المخصوص بالذم محذوف والتقدير لبئس مثوى المتكبرين جهنم والمراد بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما في قوله :﴿ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ﴾
ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء فقال : ٣٠ - ﴿ وقيل للذين اتقوا ﴾ وهم المؤمنون ﴿ ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ﴾ أي أنزل خيرا قال الثعلبي : فإن قيل لم ارتفع الجواب في قوله ﴿ أساطير الأولين ﴾ وانتصب في قوله ﴿ خيرا ﴾ فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل فكأنهم قالوا الذي يقوله محمد هو أساطير الأولين والمؤمنون آمنوا بالنزول فقال أنزل خيرا ﴿ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ﴾ قيل هذا من كلام الله عز و جل وقيل هو حكاية لكلام الذين اتقوا فيكون على هذا بدلا من خيرا على الأول يكون كلاما مستأنفا مسوقا للمدح للمتقين والمعنى : للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا حسنة : أي مثوبة حسنى ﴿ ولدار الآخرة ﴾ أي مثوبتها ﴿ خير ﴾ مما أوتوا في الدنيا ﴿ ولنعم دار المتقين ﴾ دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لدلالة ما قبله عليه
وارتفاع ٣١ - ﴿ جنات عدن ﴾ على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها أو خبر مبتدأ محذوف وقيل يجوز أن تكون هي المخصوص بالمدح ﴿ يدخلونها ﴾ هو إما خبر المبتدأ أو خبر بعد خبر وعلى تقدير تنكير عدن تكون صفة لجنات وكذلك ﴿ تجري من تحتها الأنهار ﴾ وقيل يجوز أن تكون الجملتان في محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ عدن علم وقد تقدم معنى جري الأنهار من تحت الجنات ﴿ لهم فيها ما يشاؤون ﴾ أي لهم في الجنات ما تقع عليهم مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرد ذلك ﴿ كذلك يجزي الله المتقين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء يجزيهم والمراد بالمتقين كل من يتقي الشرك وما يوجب النار من المعاصي
والموصول في قوله : ٣٢ - ﴿ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ﴾ في محل نصب نعت للمتقين المذكور قبله قرأ الأعمش وحمزة ﴿ تتوفاهم ﴾ في هذا الموضع وفي الموضع الأول بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية واختار القراءة الأولى أبو عبيد مستدلا بما روي عن ابن عباس أنه قال : إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم و ﴿ طيبين ﴾ فيه أقوال : طاهرين من الشرك أو الصالحين أو زاكية أفعالهم وأقوالهم أو طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله أو طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله أو طيبين الوفاة : أي هي عليهم سهلة لا صعوبة فيها وجملة ﴿ يقولون سلام عليكم ﴾ في محل نصب على الحال من الملائكة : أي قائلين سلام عليكم ومعناه يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة الثاني أن يكون تبشيرا لهم بالجنة لأن السلام أمان وقيل إن الملائكة يقولون : السلام عليك ولي الله إن الله يقرأ عليك السلام ﴿ ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ﴾ أي بسبب عملكم قيل يحتمل هذا وجهين : الأول أن يكون تبشيرا بدخول الجنة عند الموت الثاني أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة ولا ينافي هذا دخول الجنة بالتفضل كما في الحديث الصحيح [ سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ] وقد قدمنا البحث عن هذا
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ وقيل للذين اتقوا ﴾ قال : هؤلاء المؤمنون يقال لهم ﴿ ماذا أنزل ربكم ﴾ فيقولون ﴿ خيرا للذين أحسنوا ﴾ أي آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :﴿ الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ﴾ قال : أحياء وأمواتا قدر الله لهم ذلك