قد تقدم تحقيق معنى الهجرة في سورة النساء وهي ترك الأهل والأوطان ومعنى ٤١ - ﴿ هاجروا في الله ﴾ في شأن الله سبحانه وفي رضاه وقيل ﴿ في الله ﴾ في دين الله وقيل في بمعنى اللام : أي لله ﴿ من بعد ما ظلموا ﴾ أي عذبوا وأهينوا فإن أهل مكة عذبوا جماعة من المسلمين حتى قالوا ما أرادوا منهم فلما تركوهم هاجروا وقد اختلف في سبب نزول الآية فقيل نزلت في صهيب وبلال وخباب وعمار واعترض بأن السورة مكية وذلك يخالف قوله :﴿ والذين هاجروا ﴾ وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة كما قدمنا في عنوانها وقيل نزلت في أبي جندل بن سهيل وقيل نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لما ظلمهم المشركون بمكة وأحرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ﴿ لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ : اختلف في معنى هذا على أقوال فقيل المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة وقيل المراد الرزق الحسن قاله مجاهد وقيل النصر على عدوهم قاله الضحاك وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات وقيل ما بقي لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور ومعنى ﴿ لنبوئنهم في الدنيا حسنة ﴾ لنبوئنهم مباءة حسنة أو تبوئة حسنة فحسنة صفة مصدر محذوف ﴿ ولأجر الآخرة ﴾ أي جزاء أعمالهم في الآخرة ﴿ أكبر ﴾ من أن يعلمه أحد من خلق الله قبل أن يشاهده ومنه قوله تعالى :﴿ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ﴾ ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ أي لو كان هؤلاء الظلمة يعلمون ذلك وقيل إن الضمير في ﴿ يعلمون ﴾ راجع إلى المؤمنين : أي لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا


الصفحة التالية
Icon