٤٢ - ﴿ الذين صبروا ﴾ الموصول في محل نصب على المدح أو الرفع على تقدير مبتدأ أو هو بدل من الموصول الأول أو من الضمير في لنبؤئنهم ﴿ وعلى ربهم يتوكلون ﴾ أي على ربهم خاصة يتوكلون في جميع أمورهم معرضين عما سواه والجملة معطوفة على الصلة أو في محل نصب على الحال
٤٣ - ﴿ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ﴾ قرأ حفص عن عاصم ﴿ نوحي ﴾ بالنون وقرأ الباقون ﴿ يوحى ﴾ بالياء التحتية وهذه الآية رد على قريش حيث زعموا أن الله سبحانه أجل من أن يرسل رسولا من البشر فرد الله عليهم بأن هذه عادته وسنته أن لا يرسل إلا رجالا من البشر يوحي إليهم وزعم أبو علي الجبائي أن معنى الآية أن الله سبحانه لم يرسل إلى الأنبياء بوحيه إلا من هو على صورة الرجال من الملائكة ويرد عليه بأن جبريل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم على صور مختلفة ولما كان كفار مكة مقرين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله في التوراة والإنجيل صرف الخطاب إليهم وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب فقال :﴿ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ أي فاسألوا أيها المشركون مؤمن أهل الكتاب أن كنتم لا تعلمون فإنهم سيخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا أو اسألوا أهل الكتاب من غير تقييد بمؤمنيهم كما يفيده الظاهر فإنهم كانوا يعترفون بذلك ولا يكتمونه وقيل المعنى : فاسألوا أهل القرآن
و ٤٤ - ﴿ بالبينات والزبر ﴾ يتعلق بأرسلنا فيكون داخلا في حكم الاستثناء مع رجالا وأنكر الفراء ذلك وقال : إن صفة ما قبل إلا لا تتأخر إلى ما بعدها لأن المستثنى عنه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل أرسلنا إلا رجالا بالبينات فلما لم يصر هذا المجموع مذكورا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا وقيل يتعلق بمحذوف دل عليه المذكور : أي أرسلناهم بالبينات والزبر ويكون جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل لماذا أرسلهم ؟ فقال : أرسلناهم بالبينات والزبر وقيل متعلق بتعلمون على أنه مفعوله والباء زائدة : أي إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وقيل متعلق برجالا : أي رجالا متلبسين بالبينات والزبر وقيل بنوحي : أي نوحي إليهم بالبينات والزبر وقيل منصوب بتقدير أعني والباء زائدة وأهل الذكر هم أهل الكتاب كما تقدم وقال الزجاج : اسألوا كل من يذكر بعلم والبينات : الحجج والبراهين والزبر : الكتب وقد تقدم الكلام على هذا في آل عمران ﴿ وأنزلنا إليك الذكر ﴾ أي القرآن ثم بين الغاية المطلوبة من الإنزال فقال :﴿ لتبين للناس ﴾ جميعا ﴿ ما نزل إليهم ﴾ في هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد ﴿ ولعلهم يتفكرون ﴾ أي إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا
٤٥ - ﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات ﴾ يحتمل أن تكون السيئات صفة مصدر محذوف : أي مكروا المكرات السيئات وأن تكون مفعولة للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل : أي عملوا السيئات أو صفة لمفعول مقدر : أي أفأمن الماكرون العقوبات السيئات أو على حذف حرف الجر : أي مكروا بالسيئات ﴿ أن يخسف الله بهم الأرض ﴾ هو مفعول أمن أو بدل من مفعوله على القول بأن مفعوله محذوف وأن السيئات صفة للمحذوف والاستفهام للتقريع والتوبيخ ومكر السيئات : سعيهم في إيذاء رسول الله صلى الله عليه و سلم وإيذاء أصحابه على وجه الخفية واحتيالهم في إبطال الإسلام وكيد أهله ﴿ أن يخسف الله بهم ﴾ كما خسف بقارون يقال خسف المكان يخسف خسوفا : ذهب في الأرض وخسف الله به الأرض خسوفا : أي غاب به فيها ومنه قوله :﴿ فخسفنا به وبداره الأرض ﴾ وخسف هو في الأرض وخسف به ﴿ أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ﴾ به في حال غفلتهم عنه كما فعل بقوم لوط وغيرهم وقيل يريد يوم بدر فإنهم أهلكوا ذلك اليوم ولم يكن في حسبانهم