قوله : ١٨ - ﴿ من كان يريد العاجلة ﴾ هذا تأكيد لما سلف من جملة كل إنسان ألزمناه ومن جملة من اهتدى والمراد بالعاجلة : المنفعة العاجلة أو الدار العاجلة والمعنى : من كان يريد بأعمال البر أو بأعمال الآخرة ذلك فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمراءون والمنافقون ﴿ عجلنا له ﴾ أي عجلنا لذلك المريد ﴿ فيها ﴾ : أي في تلك العاجلة ثم قيد المعجل بقيدين : الأول : قوله :﴿ ما نشاء ﴾ أي ما يشاء الله سبحانه تعجيله له منها لا ما يشاؤه ذلك المريد ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون في الدنيا ما لا ينالون ويتمنون ما لا يصلون إليه والقيد الثاني قوله :﴿ لمن نريد ﴾ أي لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا وجملة لمن نريد بدل من الضمير في له بإعادة الجار بدل البعض من الكل لأن الضمير يرجع إلى من وهو للعموم وهذه الآية تقيد الآيات المطلة كقوله سبحانه :﴿ من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ﴾ وقوله :﴿ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ﴾ وقد قيل إنه قرئ ما يشاء بالياء التحتية ولا ندري من قرأ بذلك من أهل الشواذ وعلى هذه القراءة فقيل الضمير لله سبحانه : أي ما يشاؤه الله فيكون معناها معنى القراءة بالنون وفيه بعد لمخالفته لما قبله : وهو عجلنا وما بعده وهو لمن نريد وقيل الضمير راجع إلى من في قوله :﴿ من كان يريد ﴾ فيكون ذلك مقيدا بقوله لمن نريد : أي عجلنا له ما يشاؤه لكن بحسب إرادتنا فلا يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاؤه إلا إذا أراد الله له ذلك ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التي لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ولهذا قال ﴿ ثم جعلنا له جهنم ﴾ أي جعلنا له بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب عذاب جهنم على اختلاف أنواعه ﴿ يصلاها ﴾ في محل نصب على الحال : أي يدخلها ﴿ مذموما مدحورا ﴾ أي مطرودا من رحمة الله مبعدا عنها فهذه عقوبته في الآخرة مع أنه لا ينال من الدنيا إلا ما قدره الله سبحانه له فأين حال هذا الشقي من حال المؤمن التقي ؟ فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه وهو الجنة