قوله : ٤٢ - ﴿ قل لو كان معه آلهة كما يقولون ﴾ قرأ ابن كثير وحفص يقولون بالياء التحتية وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأن مع الله آلهة أخرى وإذن جواب عن مقالتهم الباطلة وجزاء للو ﴿ لابتغوا إلى ذي العرش ﴾ وهو الله سبحانه ﴿ سبيلا ﴾ طريقا للمغالبة والممانعة كما تفعل الملوك مع بعضهم البعض من المقاتلة والمصاولة وقيل معناه : إذن لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزلفة عنده لأنهم دونه والمشركون إنما اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله والظاهر المعنى الأول ومثل معناه قوله سبحانه :﴿ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ﴾
ثم نزه تعالى نفسه فقال ٤٣ - ﴿ سبحانه ﴾ والتسبيح والتنزيه وقد تقدم ﴿ وتعالى ﴾ متباعد ﴿ عما يقولون ﴾ من الأقوال الشنيعة والفرية العظيمة ﴿ علوا ﴾ أي تعاليا ولكنه وضع العلو موضع التعالي كقوله :﴿ والله أنبتكم من الأرض نباتا ﴾ ثم وصف العلو بالكبر مبالغة في النزاهة وتنبيها على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته وبين الغني المطلق والفقير المطلق مباينة لا تعقل الزيادة عليها
ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال : ٤٤ - ﴿ تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن ﴾ قرئ بالمثناة التحتية في يسبح وبالفوقية وقال ﴿ فيهن ﴾ بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذي هو فعل العقلاء وقد أخبر سبحانه عن السموات والأرض بأنها تسبحه وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التي لا تعقل ثم زاد ذلك تعميما وتأكيدا فقال :﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ﴾ فشمل كل ما يسمى شيئا كائنا ما كان وقيل إنه يحمل قوله :﴿ ومن فيهن ﴾ على الملائكة والثقلين ويحمل ﴿ وإن من شيء إلا يسبح بحمده ﴾ على ما عدا ذلك من المخلوقات
وقد اختلف أهل العلم في هذا العموم هل هو مخصوص أم لا ؟ فقالت طائفة : ليس بمخصوص وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدل غيره بأن الله خالق قادر وقالت طائفة : هذا التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحنه هذا التسبيح الذي معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه ويؤيد هذا قوله سبحانه :﴿ ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمرا مفهوما لكل أحد وأجيب بأن المراد بقوله لا تفقهون الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار وقالت طائفة : إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات وقيل خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات كما روي هذا القول عن عكرمة والحسن وخص تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها وقد استدل لذلك بحديث [ أن النبي صلى الله عليه و سلم مر على قبرين ] وفيه [ ثم دعا بعسيب رطب فشقه إثنين وقال : إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا ] ويؤيد حمل الآية على العموم قوله :﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾ وقوله :﴿ وإن منها لما يهبط من خشية الله ﴾ وقوله :﴿ وتخر الجبال هدا ﴾ ونحو ذلك من الآيات وثبت في الصحيح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهم يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهكذا حديث حنين الجذع وحديث أن حجرا بمكة كان يسلم على النبي صلى الله عليه و سلم وكلها في الصحيح ومن ذلك تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه و سلم ومدافعة عموم هذه الآية بمجرد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بما جاء من عنده ومعنى ﴿ إلا يسبح بحمده ﴾ إلا يسبح متلبسا بحمده ﴿ ولكن لا تفقهون تسبيحهم ﴾ قرأ الحسن وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة والكسائي وخلف تسبح بالمثناة الفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد ﴿ إنه كان حليما غفورا ﴾ فمن حلمه الإمهال لكم وعدم إنزال عقوبته عليكم ومن مغفرته لكم أنه لا يؤاخذ من تاب منكم


الصفحة التالية
Icon