٥٠ - ﴿ قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا ﴾ آخر ﴿ مما يكبر في صدوركم ﴾ قال ابن جرير : معناه إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم على ذلك وقال علي بن عيسى : معناه إنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم قال النحاس : وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديدا وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة قلت : وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا
٥١ - ﴿ أو خلقا مما يكبر في صدوركم ﴾ أي يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة وقيل المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس وقال جماعة من العلماء والتابعين : المراد به الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه والمعنى : لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم ولا يخفى ما في هذا من البعد فإن معنى الآية الترقي من الحجارة إلى الحديد ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه والموت نفسه ليس بشيء يعقلويحس حتى يقع الترقي من الحديد إليه ﴿ فسيقولون من يعيدنا ﴾ إذا كنا عظاما ورفاتا أو حجارة أو حديدا مع ما بين الحالتين من التفاوت ﴿ قل الذي فطركم أول مرة ﴾ أي يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدمة ﴿ فسينغضون إليك رؤوسهم ﴾ أي يحركونها استهزاء يقال نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضا ونغوضا : أي تحرك وأنغض رأسه حركه كالمتعجب ومنه قول الراجز :
( أنغض نحوي رأسه وأقنعا )
وقول الراجز الآخر :
( ونغضت من هرم أسنانها )
وقال آخر :
( لما رأتني أنغضت لي رأسها )
﴿ ويقولون متى هو ﴾ أي البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية ﴿ قل عسى أن يكون قريبا ﴾ أي هو قريب لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع ومثله ﴿ وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ﴾ وكل ما هو آت قريب
٥٢ - ﴿ يوم يدعوكم ﴾ الظرف منتصب بفعل مضمر : أي اذكر أو بدل من قريبا أو التقدير : يوم يدعوكم كان ما كان الدعاء النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق وقيل هو الصيحة التي تسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر ﴿ فتستجيبون بحمده ﴾ أي منقادين له حامدين لما فعله بكم فهو في محل نصب على الحال وقيل المعنى : فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر :

( وإني بحمد الله لا ثوب فاخر لبست ولا من غدرة أتقنع )
وقد روي أن الكفار عند خروجهم من قبورهم يقولون : سبحانك وبحمدك وقيل المراد بالدعاء هنا البعث وبالاستجابة أنهم يبعثون فالمعنى : يوم يبعثكم فتبعثون منقادين ﴿ وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ﴾ أي تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلا زمنا قليلا وقيل بين النفختين وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين وذلك أربعون عاما ينامون فيها فلذلك ﴿ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ﴾ وقيل إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة فقالوا هذه المقالة


الصفحة التالية
Icon